أثارت تفجيرات الأضرحة الصوفية في السودان خلال الفترة الماضية، هواجس أمنية تهدد بدخول البلاد عبر نفق الصراعات المذهبية، لإضافة صراع جديد إلى قائمة الصراعات الأخرى في السودان، التي أثرت على حركة التنمية في مناطق عديدة، من بينها دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. ويتخوف المحللون من جر السودان إلى حروب طائفية وعرقية من شأنها تعطيل مسيرة التنمية والتوافق حول ثوابت قضايا الوطن. وتهدد هذه الأحداث بنقلة عكسية تنقل البلاد إلى نوع جديد من الصراعات الداخلية الدامية، بتعميق الولاء القبلي من خلال أدوات عدة، وإشاعة ثقافة التهميش لتأجيج الصراع بين المركز والأطراف؛ لتكون المحصلة النهائية تراجع الولاء للدولة. ويأتي تفجير أضرحة الصوفية ليضيف بعداً آخر في جملة المخاطر المحيطة بالبلاد، بتفجير صراع داخلي ذي طابع مذهبي وديني لنقل الأنموذج العراقي إلى السودان. وتنامت حالة من القلق بعد أن تصاعدت الملاسنات والصدامات بين الجماعات السلفية والطرق الصوفية، ووصل الأمر إلى احتشاد الآلاف من الصوفية خلال الأيام الماضية في “مسجد الشيخ إدريس” في “العيلفون”؛ لاستنكار الاستهداف المتكرر الذي تعرّضت له عدة أضرحة أخيراً في “سوبا والعيلفون” ومناطق أخرى في شرق النيل في ضواحي العاصمة الخرطوم. وهدد الصوفيون باللجوء إلى العنف، وتجييش مريديهم؛ لمنع التعدي على المساجد والأضرحة في السودان، فيما طالبوا الدولة بالتدخل لوقف ما أسموه بالاستهداف الواضح للصوفية. في وقت سعت فيه السلطات لتدارك الأمر، ومحاولة تهدئة النفوس، والكشف عن اعتقال بعض المشتبهين فى الواقعة دون الكشف عن مزيد من التفاصيل. وقال شيخ الطريقة السمانية الحسنية، الشيخ محمد حسن قريب الله، إن الحكومة ملتزمة بحماية المتصوفين، وأضاف “نحن مع القانون وسيادته، ولكننا قادرون على حماية أنفسنا”. وطالب بالتوقف عن أساليب الاستنكار والإدانة التي أصابت السودان. من جهته، قال الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة السودانية، اللواء السر أحمد عمر رحمة، في حديثه ل”الشرق”، إن الجماعة المتورطة في الهجوم لا تنتمي لأي جماعات دينية في السودان. وأضاف “حتى أنصار السنة المحمدية نفت أن يكون لها دور في هذه التفجيرات وهذا العمل التخريبي”. وأضاف أنه لا يمكن أن نطلق عليه اسم تنظيم بالمعنى المفهوم، وهي مجموعة متطرفة، ويريدون إذكاء نار الفتنة الدينية، ولكن نحن نرى أن كل الطوائف في السودان عُرفت بالتسامح الديني. وفي السياق ذاته، قال مستشار وزارة الإعلام، الدكتور ربيع عبدالعاطي، ل”الشرق” “إن هذه الحركات المتشددة وراءها أيادٍ أجنبية، وأجندة غربية أمريكية تريد تشويه وعكس صورة سيئة عن الدين الإسلامي، ولا توجد قناعات لهذه المجموعات، وهي لا تدري بما تقوم به من عمل”. وأضاف “حتى وإن كانت تدري بذلك، فإنه نتيجة للدفع الغربي للقيام بهذه الأعمال التخريبية في السودان. وهذا التشدد هو وجه عدائي نرفضه تماماً؛ لأنه فيه استغلال واضح لهذه الجماعات المنقادة إلى التخريب”. فيما قال المدير العام الأسبق للمخابرات السودانية، الفريق الفاتح الجيلي المصباح، ل”الشرق” “إن أنصار السنة المحمدية نفت هذا الاتهام رسمياً في الإعلام”. وأضاف الفاتح الجيلي “هذه الأحداث خاضعة لتحقيقات مكثفة، وهي ظاهرة جديدة في السودان”. وأكد الجيلي أن الأضرحة موجودة في السودان، وليس لها وجهات سياسية غير إحداث الفتن الدينية، وإيجاد نوع من عدم الاستقرار الأمني في البلاد. وأوضح أن ما تقوم به هذه الجماعات لا ينبع من أي فكر أو هدف ديني؛ لأن الأهداف الدينية لا يتم طرحها والوصول إليها بهذه الطريقة. مشيراً إلى التوقيت الصعب من تفجير الأضرحة؛ لإدخال الحكومة في دوامة من المشكلات، وتحريك الطوائف الأخرى؛ ما يؤدي لعدم الاستقرار الأمني، وترويع المواطنين. ومن جانبه، قال القيادي المعروف في جماعة أنصار السنة المحمدية الشيخ يوسف الكودة، ل”الشرق”، إن هذه الأحداث لا علاقة لأنصار السنة المحمدية بها، وأن أنصار السنة المحمدية جماعة معروفة بتاريخها الطويل، إنها ضد العنف والتطرف، وأنها تركز على التغيير بالدعوة، وهي تجادل أهل التصوف بالقرآن، وتؤمن كغيرها من الذين يؤمنون بأن المنكر لا يجوز تغييره بمنكر أكبر منه، وفق القواعد الفقهية والأصولية المعروفة.