إنها الذكرى الأولى لسقوط أحد الطواغيت العربية... زين العابدين بن علي، الذي (فَهِمَ) مطالب الشعب قبل رحيله من وطنه بيومين. كان المواطن العربي يعتقد (قبل خروج التونسيين وأولهم البوعزيزي إلى أرض الحرية) أن الحكام يشبهون النواميس الطبيعية. إنهم مثل الأقمار والشموس والبحار والمحيطات باقون، ولهم فصول غضبهم ورضاهم أحياناً، لكنهم قادرون على الإطلال عليك من الشاشات واليافطات وأناشيد المدارس ليقولوا أنهم باقون معك، أو عليك حتى نهاية عمرك.. وعمر أحفادك..! هل هناك من لم يبتهج بصوت الناس وهو يهدر في الميادين ويهز تلك العروش الحجرية؟ لقد ربطت تلك الثورات منذ البداية بالمزاج الشبابي، أو بمطلبهم المعاصر الذي يمكن تلخيصه في ضرورة الانفتاح على العالم، وحرية التواصل، وحرية القول، وحرية اللبس والمظهر، وإقامة المجتمع المدني، وضمان العيش الكريم. ورغم أحقية الشباب في مطالبهم وفي صناعة مستقبلهم الذي ينشدونه، فقد توقفت، كما الكثيرون، أمام تلك الرغبات الإعلامية الشرسة، وخاصة في شقها الغربي، على أن تعرف بثورات شبابية محضة لا ترتبط بما سبقها من ثورات وحركات سياسية تاريخية أو احتجاجية وحزبية أملتها المتغيرات الأخيرة في دول مثل تونس ومصر واليمن وسوريا. هذا السيناريو، وربما الفخ، أوصل الحركات الشبابية إلى مأزق شهدناه في جميع الثورات..لقد خرجت تلك الثورات إلى العلن دون أن تقدم أبطالها لكي يصنعوا قواعدهم الشعبية، ومن جهة فقد بدوا أنهم يخوضون معارك صادقة وجذرية، لكن قياداتهم لم تكن تتمتع بأرضية سياسية وفكرية تؤهلهم للتأثير في المجاميع الشعبية التي آزرتهم ونفذت أجنداتهم. لم يكن للشباب من أيديولوجيات واضحة المعالم، كما لم يتح لهم أن يبلوروا حماسهم النقي واجتهاداتهم في أيديولوجيا أو منظومة سياسية أو عقائدية يلتقي حولها أو يعتنقها الناس. يشبه بعض المعلقين ما حدث عربياً في عام 2011 بما حدث في ألمانياالشرقية عام 1989م حين انهار جدار برلين الشهير، ففي الحدثين كانت الثورة سلمية ولم يتخللها العنف إلا حين راحت الحكومتان تستخدمان البطش العلني ضد المتظاهرين، وقبل ذلك فقد أوصدت كل السبل أمام الاحتياجات اليومية المشروعة، فالفساد الإداري بدد فرص العمل أمام الطاقات الأكاديمية والمهنية، وضاقت أمامها خيارات السفر، وأصبحت العدالة الاجتماعية والحريات بكل ألوانها أحلاماً بعيدة المنال. هل دفع الشباب المندفعون إلى الساحات ثمن سعيهم على الحرية؟ هل كانوا يجهلون مصير ثورتهم إلى هذا الحد؟ ورغم ما جرى فإن النتائج لا يمكن حصدها بهذه السرعة. لقد وجد الشباب ومعهم تلك الجماهير المندفعة إلى إسقاط الأنظمة، أنفسهم في أحضان الأحزاب التقليدية نفسها، في تونس، أو في مصر ليستثمروا ذلك الزخم الجماهيري ويحصدوا طموحاتهم التاريخية في السلطة، وانتهزت تلك القوى الفراغ الفكري الذي تركه الشباب حول ثورتهم. على أولئك الشباب الذين صنعوا الثورة – ونسينا أسماءهم الآن – أن يقولوا لنا ما مصير ثورتهم البيضاء؟ وهل اختطفت حقاً، أم أنهم على أبواب ثورة ثانية؟!