ماذا بعد قرار الولاياتالمتحدة وعشر دول أوروبية وعربية بدء تزويد المعارضة السورية بأسلحة متطورة، ينتظر أن تشمل صواريخ مضادة للطائرات والدروع من طراز سترينغر وميلان ودراغون وغوستاف؟ ثمة محصلتان اثنتان هنا. الأولى تتعلق بموازين القوى العسكرية داخل سوريا، والثانية باحتمالات تطور الأزمة السورية إلى حريق إقليمي شامل. بالنسبة إلى المحصلة الأولى، ليس ثمة شك في أن الأسلحة الجديدة، في حال وصولها بالسرعة الكافية، ستؤدي إلى قلب موازين القوى التي مالت بقوة خلال الأشهر القليلة الماضية لصالح النظام السوري. وهذا قد يُكرر المشهد الذي حدث في حرب أفغانستان في السبيعنيات، حين أدى قرار الولاياتالمتحدة تزويد المجاهدين الأفغان بصواريخ سترينغر وميلان إلى بدء العد العكسي لهزيمة القوات السوفييتية. علاوة على ذلك، يفترض أن يترافق دفق الأسلحة الجديدة مع تفاهمات ما بين القوى الإقليمية والدولية المساندة للانتفاضة السورية لوقف التنافسات فيما بينها التي أدّت إلى شرذمة الفصائل المسلحة. وهذا قد يفسح في المجال واسعاً أمام زراعة أسنان في فم الجيش السوري الحر الذي يتكوّن من فصائل إسلامية ووطنية معتدلة، على حساب التنظيمات الأصولية المتطرفة من طراز جبهة النصرة. ومرة أخرى، هذا قد يقلب المعادلات الراهنة في بلاد الشام. بيد أن الأمور، كما قلنا، تعتمد على سرعة تحرك «أصدقاء سوريا» في تأمين خطوط الإمداد بالأسلحة النوعية، خاصة أن تحالف النظام السوري وإيران وحزب الله اللبناني حقق خلال الآونة الأخيرة تقدماً ملحوظاً على الأرض بفعل إدخال تكنولوجيا متطورة إلى ساحة المعركة تضمنت، من ضمن ما تضمنت، طائرات دون طيار ومدافع ذاتية الرادار وأجهزة قتال ليلية، ناهيك عن سلاحي الطيران والصواريخ. لكن، حتى لو وصلت الأسلحة إلى أيدي المعارضة السورية في الوقت المناسب وبدأت موازين القوى بالتغيُّر، فهذا لا يعني أن الأمور ستقترب من الحسم النهائي. لماذا؟ لأن الدخول الكثيف لإيران وحليفها حزب الله على خط الحرب المباشرة في سوريا، أدى عملياً إلى تحوّل الصراع من أزمة سورية داخلية لها أبعاد إقليمية، إلى حرب إقليمية لها أبعاد سورية. وهذه الجلجلة الإقليمية كانت واضحة بجلاء في المواقف التي أعلنها زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، قبل فترة قصيرة من اعترافه العلني بالانخراط في الحرب السورية. ففي خطاب له في أوائل أيار/ مايو الماضي، ألمح نصر الله، ضمناً، إلى أنه لا يستبعد أن ترسل إيران قوات عسكرية إلى سوريا. وأضاف: «حتى هذه اللحظة.. لا توجد قوات إيرانية في سوريا والكل يعرف ذلك. ولو كانت هناك معطيات لدى الأمريكيين والإنجليز لكانوا أثاروا مشكلة حولها. هناك خبراء إيرانيون منذ عشرات السنوات، لكن ماذا سيحدث إذا ما تدحرجت الأمور مستقبلاً واستدعت تدخُّل قوى مقاومة في الصراع؟». كلام واضح؟. أجل، وخطير أيضاً، ليس لأنه قصد أن احتمال نشوب حرب إقليمية كبرى في المشرق العربي ليس أمراً وارداً ومحتملاً وحسب، بل إن مثل هذه الحرب قائمة بالفعل وهي تشمل ليس فقط سوريا بل أيضاً العراق ولبنان. فهذا المثلث، أي سوريا والعراق ولبنان، بدأ يتحوّل بالتدريج إلى ساحة قتال واحدة موحّدة على صعيدين اثنين متلازمين: جيو – سياسي وأيديولوجي. إذ لم يعد خافياً أن القوى الإقليمية كلها، تنشط بقوة الآن على كل الصعد في سوريا كما في العراق الذي عاد ليتراقص بعنف على شفير حرب أهلية مذهبية ثانية بين السنّة والشيعة. وبالطبع، إذا ما كانت إيران تقاتل بشراسة للدفاع عن النظام السوري إلى درجة التفكير بإرسال قوات إلى هناك، فمن باب أولى أن تخوض حرباً شاملة في العراق للدفاع عن السلطة الشيعية الجديدة فيه، التي تقيم معها طهران علاقات استراتيجية – مذهبية عميقة. وكما في العراق وسوريا، كذلك في لبنان. فحزب الله، ومنذ انخراطه العلني في حرب بلدة القصير الاستراتيجية وريف دمشق، يقوم في الداخل اللبناني بسلسلة خطوات تندرج كلها تحت عنوان يتيم: «التخندق». فهو، من جهة، ينشط بقوة لتجنّب الدخول في حرب أهلية داخلية، فيما جلّ قواته المقاتلة موجودة في سوريا ولا يتوقع لها أن تنسحب منها في أي وقت قريب. وهذا يشمل «التسامح» مع تمدد نفوذ الدولة اللبنانية إلى بؤر التوتر، على الرغم من أن نصر الله نعى قبل وقت قريب للغاية هذه الدولة ووصفها بأنها «هشة وحتى غير موجودة». وهو (الحزب) من جهة ثانية، يواصل جهوداً غير معلنة لإقامة حزام عسكري يمتد من القصير وريف حمص في سوريا إلى الجنوب اللبناني. وهذا سيفرض عليه في وقت قريب خوض معارك (سواء عسكرية أو سياسية تؤدي إلى الهيمنة) للسيطرة على كلٍّ من البقاع الغربي السني ومنطقة الشوف وعالية الدرزية التي تشكّل فواصل جغرافية بين الجنوب والبقاع الشيعيين. ماذا تعني كل هذه المعطيات؟ تعني أمراً واحدا: سوريا القرن الحادي والعشرين بدأت تشبه إلى حد بعيد فيتنام في ستينيات القرن العشرين. فكما أن حرب فيتنام تمددت في نهاية المطاف إلى باقي أنحاء الهند الصينية لتبتلع كمبوديا ولاوس في خضمها، كذلك حرب سوريا تمددت إلى باقي الهلال الخصيب لتبتلع لبنان والعراق. إنه حقاً حريق إقليمي شامل على وشك الاندلاع.