يقوم الكون على التوازن. وأفضل شيء يتحقق في المجتمع هو العدل. وخير حالة تعيشها النفس هي الصحة النفسية، بتوازن الغرائز والعواطف في حالة وسطية بين بين. والشجاعة هي حد الوسط بين الخوف والتهور. وأفضل حالة للطاقة هي أن لا تجمد ولا تتفجر؛ فالكهرباء جيدة عندما ترفع الناس في المصاعد. ولكنها قاتلة إذا نزلت من السماء على شكل صاعقة. والماء جيد إذا حبس خلف السد فاستفاد منه الناس في سقاية الأرض. وهو مدمر إذا جاء على شكل الطوفان. ويصدق هذا القانون على التدين ولذا جاء تعبير القرآن الكريم «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ». فالاستقامة هي الحالة الوسطية بين الطغيان واللامبالاة. وعندما يذكر القرآن عباده الصالحين في الإنفاق يقول عنهم «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً» (. فالقوام أي وضعية الوقوف دون ترنح وسقوط في أي اتجاه وهو الاعتدال في الإنفاق بين الإسراف والتقتير. وهو أفضل بسبب نتيجته؛ ففي مكان آخر يقول القرآن أن مسك اليد يقود صاحبها إلى قول الناس عنه إنه بخيل. كما أن بسط اليد دون تدبير يقود إلى تبخر كل المال فيقع صاحبها في الحسرات وقد يضطر إلى الاستدانة وأوجزها القرآن على طريقته بكلمتين:(فتقعد ملوما محسورا). ومن هذه المعاني وصل الفلاسفة إلى شيء سموه الوسط الذهبي. وعندما أرادوا تحليل الأخلاق وصلوا في النهاية إلى أن حاصل الأخلاق ينتهي إلى ثلاثة هي العفة والشجاعة والحكمة. وكل خلق من هذا هو وسط بين حدين، وبتعبير أرسطو أن كل فضيلة هي وسط بين رذيلتين. وما أريد أن أقوله في هذا التحليل أننا نواجه بين حين وآخر بتشدد لاعقلاني قد واجهه الكثيرون، والمشكلة فيه أن المرء إما أن لا يستطيع أن يناقش فيه، أو يشعر بعدم جدوى النقاش فيه.