كسحت جرافة، أمس، عين الكعيبة التاريخية، التي تعد من أهم المعالم الأثرية في محافظة القطيف، في ثاني حادثة من نوعها بعد نحو شهرين من إزالة عين «الشنّية»، وتحويلها إلى عقار سكني. وتسبب الاعتداء على الموقع الأثري موجة غضب بين الأهالي والمهتمين، الذين لم يصدّقوا الخبر، فيما وصف مدير مكتب الآثار في الشرقية، عبدالحميد الحشاش، الإزالة ب»العمل السيئ»؛ فور تلقّيه خبر الإزالة من محرر «الشرق». وقال الحشاش إنه ذُهل لسماع الخبر، وذهب من فوره لمعاينة الموقع بعد إبلاغه، وعبّر عن غضبه وألمه، واعداً بفتح ملف تحقيق في الحادث، والسعي إلى محاسبة المتسببين. وجاءت الإزالة بعد إزالة معلم أثري آخر مهم، هو عين «الشنيّة» التاريخية في بلدة الجش قبل نحو شهرين. وقد تجمع الأهالي، أمس، في موقع العين بين مصدّق ومكذّب لخبر إزالة المعلم الثاني والأكثر أهمية. ووصف الحشاش الموقع بأنه «أحد أهم المعالم الأثرية للوطن، والتعدي عليه لا يجوز بهذه الطريقة، وإذا كان أي أحد له مطالبة فهناك جهات يجب أن يراجعها، أما التعدي بهذه الطريقة فهو أمر سيئ، ولا حول ولا قوة إلا بالله»، على حدّ تعبيره حرفياً. ومن زاوية أخرى، طالب المؤرخ علي الدرورة بمحاسبة المتسببين في الواقعة، ووصفهم ب «عدم أهليتهم للحفاظ على ثروة الوطن التاريخية»، مطالباً ب «تسوير المنطقة المحيطة بالعين فوراً، وفتح تحقيق عاجل وعرض نتائجه على العامة». أهمية تاريخية للعين وقال المؤرخ حسين السلهام، أمس، إنه وبالرغم من محاولاتنا الجادة للمحافظة على التراث منذ فترة طويلة، ومراجعة المجلس البلدي، فإن المؤسف أن نفاجأ بهدم وإزالة بعضها من قبل أيدٍ لا تقدر الرصيد التاريخي الحضاري حق قدره، ومع الأسف، يحدث ذلك نتيجة الامبالاة الناتجة من قبل المسؤولين عن الحفاظ على هذا الإرث التاريخي، حتى وصلت الأيدي العابثة بالتراث إلى هدم أشهر معلم تاريخي في القطيف، يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وهو (عين الكعيبة) التي بناها العمالقة الكنعانيون، واشتهرت هذه العين في العام 317ه عندما نقل القرامطة الحجر الأسود إلى هذه العين؛ لهذا عرفت بعين الكعيبة». وأضاف «بالقرب من هذه العين حصلت أشهر المعارك الحربية «معركة آفان» بين القرامطة والعباسيين، وعدت هذه المعركة من عجائب الدنيا الثلاث لدى العرب كما تنقل كتب التاريخ. وأضاف السلهام أن كل هذا الإرث وعبق التاريخ الذي تحمله هذه العين دمرته إحدى الجرافات بعيداً عن أعين هيئة السياحة والآثار، ودون علم الأمانة، وبسبب عدم اهتمام المجلس البلدي السابق بأهمية التراث، وبتلكؤ متحف الدمام عن القيام بواجبه بتسوير هذا المعلم». وأضاف «سبق أن أبلغنا العاملين في متحف الدمام بأهمية هذا المعلم، ولكن دون جدوى، كما اجتمعنا برئيس مجلس بلدي القطيف السابق قبل ما يزيد على السنتين، وطالبنا بالمحافطة على ما تبقى من هذه العين بالذات، والآثار الأخرى في المنطقة، ووعدنا خيراً، ولكن مع الأسف، وصل الأمر إلى إزالة العين نهائياً». وناشد السلهام جميع المسؤولين، كلاً في موقعه، أن يقوموا بإعادة بناء هذه العين من جديد، فما تم هدمه هو البناء العلوي لهذه العين، وهو ليس قديماً، فمازالت أساسات البناء قائمة، وهي تعود إلى فترة الألف الثالث قبل الميلاد، فنأمل الإسراع في عمل البناء قبل أن تصلكم لعنة الأجيال القادمة. فيما نفى مدير العلاقات العامة في بلدية محافظة القطيف، جعفر المسكين، مسؤولية البلدية عن العين، لافتاً إلى أن كل العيون تقع تحت إشراف وزارة الزراعة، وأن البلدية ليست لها علاقة بالموضوع، عدا كون الأرض زراعية، فيما نفى مسؤول هيئة الري والصرف في وزارة الزراعة أن تكون إزالة العين تمت بفعل الهيئة، مؤكداً عدم علمه بالمتسبب. عين الكعيبة في صورة قبل إزالتها (الشرق)