في سابقة خطيرة تُنْبِئ عن سقوط بعض الأفهام في هاوية سحيقة ومنزلق وعر، ينهش في تكوينه الجهل المركب في أقصى مدى، حين يكرس ذاته لإهانة أو امتهان المرأة التي وصَّى بكرامتها الإسلام، ورفع عنها حيف الإذلال أو العبودية التي لم تعد حاضرة إلا في نفوس الجاهلين، ونعوذ بالله من الجاهلين، فكما يبدو أن بعض عجاج العصر الجاهلي تناثر ليُؤتي أُكله في عقول البعض، فراح يتمنى الحفر والمزالق في نظراته المذلة للمرأة، وفي تجاسره على سماحة الدين وسمو الأخلاق. وبقصد أو دون قصد، فإنه قد تجد مَنْ ينتهكون حقوق الآخرين عبر ممارسات لا مسؤولة وأفكار غير واعية، ويطلقون أحكاماً من عندياتهم، ويحاولون أن يسبغوا عليها اللبوس الشرعي عبر سلسلة من الحيل النفسية البائسة والأفعال التي ما أنزل الله بها من سلطان. أُطلِقَ مؤخراً هاشتاق بعنوان «تحرشوا بالكاشيرات» عبر موقع التواصل الاجتماعي الشهير كدعوة لمحاربة «الأم، الزوجة، الأخت،..»، فقط لأنها سعت لكسب الرزق الحلال والمشروع، بما لا يتنافى مع الدين والأخلاق، وعملت «كاشيرة» بكامل حشمتها وحجابها والتزامها لتخوض جهاد طلب الرزق الحلال، بدلاً من ذل الاحتياج أو السؤال، تعتمد على نفسها في توفير دخل كريم تعين به نفسها أو أسرتها وذويها. ونقاشنا هنا حول الفكرة وليس قائلها، إذ إن فيها تعدياً واضحاً على حقوق وكرامة المرأة. فالمرأة في مجتمعنا ما برحت قوَّةً مُعطَّلة وطاقةً مبدعة يعيقها عدم توافر الفرص السانحة لينتقل إبداعها من حيز القوة إلى موقع الفعل، حيث لا تزال هذه الطاقات الكبيرة كامنة، رغم جدارتها وتفوقها في شتى المجالات، وهكذا فإن تلك القدرات تحتاج إلى استثمار حقيقي يتناسب مع العصر ويتناغم مع معطيات الحياة ويواكبها. وإذا كان ثمة رؤى شاذة تسعى لتعويق وعطالة المرأة وتغييبها عن الإسهام في المشهد التنموي الوطني اجتماعياً واقتصادياً، في وقت نعيش فيه العقد الثاني من الألفية الثالثة حيث التقدم التقني في أَوْجه، ولغة التواصل البيني في ذروة مخرجاتها عبر ثورة اتصالات عارمة، ولم يعد جائزاً التعسف في إقصاء المرأة عن سوق العمل والوظيفة بما لا يتعارض مع الثوابت جملة وتفصيلاً. وغاب عن هذا المفهوم أنَّ خوض المرأة غمار العمل الذي لا يتنافى مع الدين والأخلاق، بل ينطلق من استراتيجية وطنية، يُسهم في التنمية الشاملة التي تعتبر المورد البشري، هو أهم رأسمال في هرم هذه التنمية، كما أن ذلك يتوافق مع مؤشرات النمو في خطط السعودة، ويُقلل الاعتماد على الأيدي الأجنبية العاملة التي تشير مجموعة من الدراسات إلى تسببها في كثير من الظواهر السلبية الخطيرة التي تؤثر على الوطن وأبنائه اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وأمنياً. إذاً، ألم يكن أولى بهم أن يطلقوا وسماً يحمل عنوان «أكرموا المرأة»؟! وهنا ونحن مع واقع تظهر فيه المرأة بين مطرقة التثبيط وسندان وعورة الطريق، فإنها كل يوم تتقدم في معركة إثبات الذات ضمن مسيرة التنمية المباركة، لذلك فالدعوة إلى تشجيع المرأة جديرة بالأخذ عبر برامج التحفيز وفتح الفرص الوظيفية لاستيعاب عدد كبير من الخريجات في وظائف كريمة، كما أن المنطق والأخلاق يدعوان إلى تكريمهن وليس لإيذائهن والمساس بكرامتهن، فهن فخر لنا ونجاحهن نجاح للوطن وأبنائه. اللهم إنَّا نسألك العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة.