مرضي مهنا المطرفي يمر العالم العربي وقلب العالم الإسلامي بمرحلة حرجة ومنعطف خطير وظروف استثنائية جعلته في موقف ضعف أكثر من ضعفه السابق، ولا أدري هل لمس العرب القاع؟ أم أن للانحدار بقية؟ بات واضحاً أنه ما ازداد ضعف الأمة إلا بسبب هذه الثورات الغوغائية، التي حدثت في بعض البلاد العربية وانخدع بها كثيرون وانساقوا خلف سرابها البراق، سراب يحسبه ظمأى الخلافة ماء حتى إذا جاءوه وجدوا أنفسهم وسط صحراء قاحلة وكأنهم قد أخذتهم الصاعقة {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة وَلَا إلى أهلهِمْ يَرْجِعُونَ} (يس50)، تكلم العلماء الربانيون وحذروا من هذه الغوغائية وبينوا أحاديث ووصايا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على الجور والأثرة والاستبداد، لكنهم ركنوا إلى هوى أنفسهم فكان تعاملهم مع هذه الأحاديث انتقائياً يأخذون بعضا ويتركون بعضا. فكان أن اتضح حال من قاموا بهذه الثورات ومن أيدهم بأنهم قليلو الصبر وأنهم أرادوا استعجال نصر الله، فمن المتيقن أن النصر مع الصبر وأن اليسر بعد العسر (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{6}) (الشرح)، لكن متى يأتي هذا اليسر؟ وكيف؟ هذا أمره إلى الله وحده سبحانه وتعالى، وليس لأحد من البشر. مثل هؤلاء الحمقى -الذين وضعوا الأمة في موقف هو أكثر ضعفاً مما كانت عليه- مثلهم كمثل ذاك الذي لم يصبر على طول الشتاء وشدة البرد حتى خلع عباءته قائلاً (أغدي قياله)، ولم يستمع لنصح الناصحين من حوله حالفاً بالله أن الشتاء سينتهي ذات يوم، فما كان إلا أن وجده رفاقه وهو بين الحياة والموت. وصلت الأمة إلى مراحل ضعف سابقة قد تكون أشد مما نحن فيه الآن، ثم نهضت وقويت كما في عصر صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله تعالى-، لكن هل ذهب صلاح الدين وطلب العون من الأعاجم والروم أو غيرهم ليقيم دولة إسلامية قوية؟!!! ما حدث في الثورات أن الغوغائيين يقومون بالتظاهرات ونشرها إعلامياً ظنا منهم أن الغرب سيسارع لنجدتهم ويسقط لهم رئيسهم الذي تظاهروا ضده، ثم يمكن لهم في الحكم، وهذا ما حدث ظاهريا في تونس ومصر وليبيا، لكنه لم يحدث في سوريا لذلك تأزمت الأمور وامتحن الشعب السوري أيما امتحان، واصطلى بنار ثورة الغوغائيين عوام الشعب وضعفائه، وتكالبت عليهم قوى الشر وجعلوا يناصرون فريقاً حتى يكاد ينتصر ثم يناصرون الآخر ضده، وهكذا حتى تقضي حاجة في أنفسهم، كل هذه الثورات لم تنتج حالاً أفضل لا على مستوى الأمة ككل ولا على مستوى الدول، ومما يحز في النفس أن هذه الثورات جميعاً لم تكن لإقامة التوحيد ولا لتكون كلمة الله هي العليا بل كانت المطالب المصرح بها دنيوية، بل إن بعضها كان من السذاجة بمكان (ما بنحبك ما بنحبك، الشعب يريد إسقاط النظام)، ولنا عبرة في قصة بني إسرائيل مع فرعون، فقد أمرهم الله سبحانه وتعالى بالصبر ثم الهرب من فرعون وقومه ولم يأمرهم بالثورة، فهربوا رغم أن معهم نبياً من أولي العزم من الرسل هو موسى عليه السلام، وكانت عين الله ترعاهم ومع ذلك لم يؤمروا بالثورة، لكنهم قالوا لموسى -عليه السلام- سمعاً وطاعة فصبروا على ما كانوا يلاقون من فرعون وقومه ثم هربوا فماذا كانت النتيجة قال سبحانه وتعالى {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف 137) هناك من يحاول النيل من هذه البلاد المباركة بتهييج الناس بأفكار تغريبية، وتضخيم الخطأ وتزييف الحقائق، وبدت بعض التحركات ظاهرة لكثير من الناس، وأصبحت جميعها مكشوفة لحكومتنا الرشيدة التي قتلت دابر الفتنة في مهدها. وجهة نظر: كل نظام سياسي ديمقراطي تعددي هو نظام مخترق من أصدقائه قبل أعدائه.