صرّح رئيس هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) أثناء زيارته الأخيرة لمنطقة الجوف بأن الهيئة لا تتراجع أمام المسؤولين الكبار، ولكنها تحتاج الأدلة والقرائن. هذا التصريح جعلني أتأكد من أن الإخوة سيبويه وأبو الأسود ورفاقهم ارتكبوا أخطاء فادحة بحق اللغة العربية، فما زال يراودني شكّ يقترب كثيراً من اليقين بأن «صرّح» لا يمكن أن يكون «فعل»!، ومستعد أن أُناظر أساتذتي بالشرق الواصل والمزيني، وسأفحمهم بالمنطق، وسنأخذ أي «تصريح» لمسؤول ونذهب به «للواقع» فإن «فُعَل» ما صرّح به فسأعلن هزيمتي، وإن حدث العكس فليعلنوا «نزاهتهم» من فساد الفعل أو على الأقل «انزياحه»! مشكلة هذا (التصريح) أن المواطن يعتبره وعداً على المُصرِح الوفاء به، فيما المسؤول يعتبره «أمنية» يأمل أن تتحقق! رئيس الهيئة يقول: (إن الهيئة لا تتراجع أمام المسؤولين الكبار)، والمآخذ هنا هو الإيحاء بأن الهيئة «تقدمت» لهم.. ولن «تتراجع»، سيّما وأن هذه الجملة تترك الباب موارباً (للملاقيف أمثالي) وتغري بإكمالها حيث تكون (الهيئة لا تتراجع أمام المسؤولين الكبار..ولكنها تتراجع من خلفهم). والعرب قديماً كانوا يعوّلون كثيراً على (ما بعد لكن)، ولهذا أتت (لكن) معاليه مبهجة، نعم فلم يبق لمواجهة المسؤول سوى «الأدلة والقرائن»! أعان الله المسؤول على الجاهلين «بالقانون» أمثالي من المواطنين الحالمين، فأنا كنت أعتقد بسذاجة الجاهل أن الأدلة متوفرة على قارعة «البنية التحتية» وعلى «أسوار التعثّر»، فكلما فضح المطر هشاشة التصريف قلت مرحباً «بالدليل» ،وكلّما وقع سقف منشأة جديدة قلت القصائد في جمال «القرينة»! قبل أيام شاهدت صورة لرئيس بلدية ما لم يستطع عبور شارع لا يبعد سوى مئات الأمتار عن مبني البلدية وقد حوّله المطر لنهرٍ جار، كدت أفرح بتلك «القرينة» سيّما وأنا أتذكر الملايين التي كلّفها مشروع التصريف، لكن شرح الصورة أعادني لصوابي، حيث إن الرئيس -على ذمة شرح الصورة- كان ينظّف -بنفسه- مجرى التصريف.. رغم أن ملامحه تشي بغير ذلك! وهنا اختلطت عليّ الأفعال «صرّح، ونظّف، وصرّف»، وزاد يقيني بأنها ليست «أفعال»، كنت مستعداً للمناظرة حولها، أما الآن أنا مستعد «للمباهلة» إن رضي أساتذتي!