كارثتان لا تفرق بينهما سوى 360 يوماً ، جرى فيها الكثير من المداولات والنقاشات والخطط والاستراتيجيات لدرء جدة من أخطار السيول، ولكن بقيت حبرا على ورق حتى وقعت الطامة وغرقت عروس البحر الاحمر مرة أخرى في مياه السيول والامطار وفي هذه المرة لم تأتها السيول من الخارج كما فعلت في كارثة العام الماضي وانما نبعت من داخل أحيائها وطرقاتها التي فاضت بالمياه المحجوزة لتنتقل الى الطرقات الاخرى وتشكلان بحراً داخل مدينة لم تعرف معنى البنية التحتية للتصريف، وسداً منيعاً امام كل محاولات المساعدة و(المزايدة) على سلامتها من الغرق، وأتم سد أم الخير الواهن ما بتقى من مناطق لم تأت عليها المياه. سيناريو تتكرر مأساته للمرة الثانية في جدة التي لها من المكانة التاريخية والاسلامية والاقتصادية ما ليس لدى كبريات نظيراتها من المدن العالمية المرموقة، هكذا صارت جدة بعد أن غمرتها السيول في سيناريو حزين بدأت قصته منذ العام الماضي واستمرت. صور من المأساة ضاعفت الأمطار الأخيرة من معاناة سكان حي غليل بجدة حيث تحولت الشوارع والطرقات إلى مستنقعات من مياه الأمطار اختلطت مع المياه الآسنة والمتدفقة منذ فترة في طرقات الحي الشعبي وناشد مواطنون من سكان حي غليل الجهات ذات العلاقة مساعدة الأهالي في شفط مياه الامطار وإيقاف تسرب المياه الآسنة حيث تحولت الطرق إلى مستنقعات تبث روائح كريهة وأعاقت حركة الأهالي في الخروج من منازلهم والذهاب للمسجد أو المحلات التجارية لشراء احتياجاتهم الاستهلاكية ويقول المواطن مرعي عسيري منذ شهور بدأت معاناتنا مع المياه الآسنة وعانينا كثيرا من انتشارها وتدفقها في الطرق الصغيرة والكبيرة وبعد هطول الأمطار تضاعفت المعاناة حيث امتلأت الشوارع بمياه الامطار المخلوطة بالمياه الآسنة. رداءة تنفيذ مشاريع الصرف الصحي معاناة سكان مدينة جدة تستمر، بعد موجة أمطار وفيضانات كشفت حجم الفساد والرداءة في تنفيذ مشاريع الصرف الصحي والسدود ومسرى السيول وغيرها، وسط ارتفاع في أعداد القتلى ومطالبات أهلية بمحاسبة المسؤولين. يأتي ذلك في وقت حذر فيه أطباء وأكاديميون مختصون من استخدام مياه الصنابير في الشرب لاحتمالية اختلاطها بمياه الأمطار الغزيرة التي هطلت الأربعاء الماضي، لافتين إلى سهولة تسرب هذه المياه إلى الخزانات الأرضية في كافة العمائر السكنية. ونبهوا من ترك الأطفال في الشوارع، ولاسيما أن البيئة أصبحت الآن مرتعا للعديد من البعوض والذباب والحشرات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة. معاناة متكررة وماذا بعد كل هذه المعاناة المتكررة عاما بعد عام، تجربتنا السابقة في أربعاء ذي الحجة 1430ه، كانت مأساوية، وقلنا حينها أخذتنا السيول على حين غرة ولم نكن مستعدين لها، أو محضرين لمباغتتها، وهانحن بعد سنة وشهرين من الحدث الأول، وما بينهما من أمطار خفيفة، تنذر بحدوث كارثة، ثم أعقبتها الأمطار الأخيرة التي أصابت المدينة بالشلل التام: لطرق المواصلات، والمدارس، والجامعات، ومقار الأعمال، حدث كل هذا بعد أسبوع فقط من أمطار مساء يوم الجمعة وصباح السبت 16-2-1432ه، حيث سقطت على المدينة كميات مهولة من الأمطار تقدر ب (112 ملم.)، أظهرت واقعنا المزري الذي نعيشه مع مشاريع الأمانة وما تم إنجازه منها. عام كامل وزيادة لم ينجز من المشاريع أي شيء بخصوص تصريف مياه الأمطار والسيول، عام كامل مضى ولم نحسن تنظيف العبارات أو صيانتها، أو تخفيض مناسيب المياه الجوفية، أو عمل شبكة ربط لتصريف عاجل للمياه المنسابة في الطرقات، أو تخفيض مناسيبها داخل الأحياء السكنية. نتائج السيول أنقذ الدفاع المدني نحو (1451) شخصا عن طريق الفرق الأرضية و (498) شخصا عن طريق الفرق الجوية كما تم نقل عدد من المواطنين والمقيمين باستخدام الحافلات لإيصالهم إلى منازلهم أو الشقق المفروشة فيما تم إيواء أكثر من (1500) أسرة عن طريق لجان الإسكان المكونة من الدفاع المدني ووزارة المالية وأن عمليات الإيواء مستمرة على مدار الساعة.وأدت السيول إلى (10) عشر وفيات سؤال ملح أين فرق الطوارئ؟ وأين الخطط الإستراتيجية لحل مثل هذه الإشكالات أثناء حدوث الكوارث الطبيعية؟ ما الحلول التي تم تنفيذها لتصريف مياه الأمطار الأخيرة؟ هل من المعقول شفط المياه من مكان لتلقى في مكان آخر؟ أو أن تشفط من الأنفاق التي غرقت بالكامل لتصب مياهها في الشوارع والطرقات الجانبية لتغرق الأخيرة ويغرق معها جميع العابرين لها أو المقيمون حولها؟ أين الحلول الخلاّقة التي اتخذتها الأمانة لحل هذه الإشكالات منذ زمن بعيد؟ المطالب إذن ما المطلوب منّا في الوقت الراهن حتى نتجاوز مثل هذه الأزمات لمياه الأمطار ومجاري السيول حتى تصبح المدينة بأكملها في مأمن من مخاطر السيول وانجرافات المياه؟ نريد أن تسند مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول لشركات سعودية ذات سمعة جيدة، وأمانة، ومصداقية في تنفيذ المشاريع، نريد جهات متابعة لهذه المشاريع بعيدا عن المجاملات والمحسوبيات ، نريد رجالا مخلصين من أبناء هذا البلد يقومون بواجباتهم تجاه هذا الوطن ومعالجة مشاريعه المتعثرة وتنفيذها بالشكل الصحيح، نريد حجب مشاريع محافظة جدة عن الشركات الوهمية (المتهالكة) التي معظم أعمالها من الباطن، أوترّسى على شركات أدنى منها وبأبخس الأثمان. لا نريد تسويفا، ولا تأجيلا، ولا تأخيرا للمشاريع النافعة والناجحة التي تنتشل المدينة وسكاّنها من وحل السيول ومخلّفاتها. من المسئول؟ يُحمّل كثيرون المسؤولين في القطاعات المعنية بمحافظة جدة مسؤولية كارثة الأمطار والسيول التي خلّفت أضراراً جسيمة، ومن بين الأسباب التي دعت إلى توجيه أصابع الاتهام إلى مسؤولي المحافظة طمأنات وتصاريح أطلقوها قبل وقوع الكارثة، مؤكدين من خلالها أن كل شيء على ما يُرام حيث نُقل عن أمين جدة الدكتور هاني أبو راس أنه رد على مَنْ سأله خلال شهر محرم الماضي عن استعدادات الأمانة للأمطار بأنه لا توجد أية خطورة، بل إنه نقل لمحدثه دعوات رجال الأمانة بأن تهطل الأمطار؛ حتى يتم كسر "الحاجز النفسي" ويتم تأكيد استعداداتهم لافتاً إلى أن معدات وآليات الأمانة لن تستطيع الحركة في ظل الأمطار وكان الكاتب الصحفي في صحيفة البلاد خالد محمد الحسيني قد انتقد في مقاله الذي نُشر بتاريخ 29/ 1/ 1432ه حديث أمين جدة، وقال: "سألت صاحب السمو الملكي الأمير د. منصور بن متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية مساء الخميس قبل الماضي، وكان ضيف حفل خاص في مكةالمكرمة. قلتُ للأمير ضمن عدد من الأسئلة نشرتها (البلاد) الجمعة قبل الماضية: إن المنطقة التي تأثرت بأمطار العام الماضي ما زالت - حسب ما تنشره الصحف وبعض القنوات الفضائية - على وضعها، ولا جديد في إعادة تأهيلها أو إقامة مشروعات تقي الناس السيول والأمطار.. ما رأيك؟ فأجابني الأمير بأنه تحدّث مع أمين جدة د. هاني أبو راس، وعرف منه أن الوضع مطمئن ولا توجد خطورة، بل إن رجال الأمانة (يتمنون) نزول الأمطار؛ وذلك لكسر (الحاجز النفسي) وتأكيد استعداداتهم. لم أقل للأمير في حينه إنني غير مطمئن لإجابة أمين جدة اعتماداً على ما نعرفه وما تنقله وسائل الإعلام، وإنه لا جديد منذ نزول أمطار العام الماضي ونزول المطر الأربعاء والخميس الماضيين. وأسأل أمين جدة: هل كُسر الحاجز النفسي؟! وإن كان من الواجب أن أكون عادلاً معه لأنه حديث عهد بالأمانة ولا يمكن أن نسأله أو نحاسبه، والأسئلة يجب أن تُوجّه للأمناء الذين سبقوه، لكنني لم أرد أن يدخل د. أبو راس في القضية بما قاله للأمير، وهو المسؤول الذي لو كنت مسؤولاً عن جهازه لسألته عن تسرعه في إطلاق العبارات دون أن يتأكد مما يقول!". ويقول الكاتب الحسيني: "إن المشكلة، التي لم يتحرك أي جهاز مسؤول لوضع الحلول لها أو البدء في أعمال على الطبيعة لدفع الخطر عن المواطنين على مدى 12 شهراً، لا يمكن أن يتحدث عنها مسؤول لم يمض في الإشراف على الأمانة سوى أشهر قليلة. أتحدث وأنا أشعر بكثير من الألم، وأعيش مع الأهالي آلامهم وأسئلتهم بل وسؤالهم الكبير الذي لا أعرف إلى من أوجهه، أين الأجهزة المسؤولة عما حدث في جدة العام الماضي؟". ويكمل الكاتب مقاله قائلاً: "إن المتابع لما حصل العام الماضي وما تبعه من مآسٍ وآلام وفَقْد لعشرات من المواطنين والمقيمين وتضرر وفزع الناس كان يتوقع حلولاً عاجلة وسريعة وأعمالاً على مدار الساعة منذ شهر محرم العام الماضي 1431ه، واليوم تنزل الأمطار مرة أخرى في محرم 1432ه ولا جديد، ونخشى إن لم نكن متأكدين مما نقول أن نصل إلى محرم 1433ه وما زلنا نتحدث عن (مخطط أم الخير) وبقية المناطق التي تحولت بأسباب الأمطار إلى (سرادقات عزاء)، وأصبحنا نفزع من مؤشرات الأرصاد الجوية بدلاً من الفرح بنزول الأمطار. إن كل دول العالم تشهد أمطاراً طوال العام وبكثافة مضاعفة، ونحن نخشى أن تنزل أمطار يوماً واحداً ولساعة أو ساعتين.. فهل نحن (غير)؟!! الأسباب واضحة وجلية ومكشوفة فلماذا نغالط أنفسنا ونرمي بالمسؤولية هنا وهناك؟.