جاء خطاب بشار الأسد، أمس، ليكشف الكثير عن عقلية وآلية تفكير الرئيس السوري، الذي تحدث في مرات سابقة عن التصالح الداخلي وتعديل الدستور والحوار، ليتضح من خطابه، أمس، أن كل ما ذكره سابقاً لا يخرج عن إطار ثابت ومحدد يحتل فيه الرئيس السوري موقع المتحكم في سورية، ويجعله القيادة الوحيدة فيها. فالرئيس الأسد في خطابه وصف موقف الحياد بينه وبين الثوار الذين يطالبون برحيله بأنه «خيانة»، كأن الولاء لسورية يرتبط بالضرورة بالولاء للرئيس الأسد وبقائه على كرسي الحكم في البلاد، كأن الرئيس السوري أصبح هو الوطن لدى السوريين، كما أنه بشَّر أنصاره ب «نصر قريب» كأنه يخوض حرباً ضد أعداء لا ثوار سلميين سوريين يطلبون تغيير نظام الحكم الذي بقي متحكماً في مصير البلاد لأكثر من أربعين عاماً. وبهذا الخطاب، وهذه التعبيرات التي وردت فيه، يمكن قراءة عدة أمور؛ أولها أن الأسد لن يوقف بأي حال استخدام العنف كسلاح لقمع الثورة السورية؛ فهو في حرب يجب أن تنتهي بالنصر، كما أنه لا يرى المواطنين السوريين الذين يطالبونه بالرحيل إلا كإرهابيين يجب ضربهم ب «يد من حديد». وعليه، فكل المطالب برحيله لن تنتهي بشكل سلمي نهائياً، فالخطاب كان عبارة عن حشد للأنصار، وتشجيع لهم أكثر من أي شيء آخر، وهو ليس خطاب من يريد المصالحة، بل خطاب من يعتزم الاستمرار في الطريق الذي خطه نحو النهاية. ولم يدع الأسد خطابه يمر دون أن يشن هجوماً على جامعة الدول العربية، التي تبذل جهوداً مضنية لمنع تدويل الأزمة السورية، وتعمل بشكل حثيث على حلها رغم ما لقيته سابقاً وما تلقاه حتى الآن من إساءات عبر وسائل الإعلام السورية، فلم تفت الأسد الإشارة إلى أن العرب لا شيء من دونه، حينما قال إن الجامعة العربية من دون سورية تصبح «مستعربة»، جاعلاً من نفسه دليل عروبة للجامعة، بعد أن جعل سورية هي الأسد. إن خطاب الأسد لا يحمل أي بوادر إيجابية توحي بقرب انتهاء الأزمة، سواء على الصعيد المحلي، أو حتى على الصعيد الإقليمي، بل هي تحمل تصعيداً يبدو كأنه محاولة لإثبات الوجود، في ظل الضغوط المتزايدة على النظام، وهو ما ينتظر أن يحمل في الأيام القادمة دموية أكثر في التعامل مع المتظاهرين، وربما حتى مع مراقبي الجامعة العربية، كما ظهرت بوادر ذلك في مدينة اللاذقية السورية.