عنوانُ مقالتي هذه سيُدهِشُ قرَّاءَها أكثر من سابقتها، وقد ينصرف قرَّاءٌ عنها، وأملي ألاَّ يتَّخذ عزيزي القارئ قراراً بانصرافه، فليقرأْها ولْيُعلِّقْ رؤاه وأفكاره مهما كانت، فنظامُ المرور في بلادنا لو أُحْسِنَ تطبيقُه لكانَ عمادَ النظام التربويِّ والاجتماعيِّ والأمنيِّ في بلادنا، ولخفَّتْ بتطبيقه نصفُ مشكلاتنا الاجتماعيَّة والتربويَّة والخدميَّة والتنمويَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة وغيرها، بل ولربَّما تلاشى معظمُها، ومن هذا الاعتبار قد صغتُ عنوانَ مقالتي هذه. إنَّ في بلادنا نظاماً مروريّاً متكاملاً لا يقلُّ عمَّا لدى أفضل الدول المتقدِّمة، ولكنَّه للأسف نظامٌ مروريٌّ معطَّلٌ في معظم مواده عن التطبيق، الأمرُ الذي يجعل الوافدين لبلادنا يظنُّون بل وقد يجزمون لحين أنَّ بلادنا بدون نظامٍ مروريٍّ؛ لما يرونه من كثرة المخالفات المروريَّة وكثافتها من جميع شرائح المجتمع مواطنين ووافدين، بل وكثيرون من أولئك وأولئك يرون أنَّ مسايرة هذا الوضع أقرب لسلامتهم المروريَّة من الالتزام بالنظام المروريِّ، فلْنُلْقِ الأضواءَ على واقعنا المروريِّ لنتعرَّف على المخالفات المروريَّة في شوارعنا وطرقنا وعلى نتائجها وآثارها، ومن ثمَّ فلُنُزِحْها نظريّاً لفترة افتراضيَّة ولنتأمَّلْ المستقبل خالياً من تلك المخالفات المروريَّة من ممارساتنا الميدانيَّة، ولنقارن واقعنا المروريَّ بالمأمول مروريّاً في ضوء عنوان مقالتي وذلك من خلال الآتي: 1.السرعة في الشوارع وفي الطرق الإقليميَّة (لا أُسمِّيها بالطرق السريعة) وما يترتَّب عليها من مآسٍ وآثار ونتائج. 2.قطع الإشارات الضوئيَّة نتيجة للسرعة أو للتسرُّع المرتبطة بالمخالفة السابقة. 3.التحايل على كاميرات ساهر بتغطية لوحات السيَّارات بورق أو بستائر معدنيَّة صنَّعها محليّاً وافدون لتحريكها من كبائن القيادة. 4.تجاوز الشاحنات حمولاتها ومساراتها وسرعاتها المحدَّدة في النظام المروريِّ. 5.الوقوف غير النظاميِّ وسط الشوارع وعلى الأرصفة وبجوانب شوارع ممنوع الوقوف فيها ومعاكسة السير والوقوف المفاجئ، وتغيير مسار السير دون التنبيه لمستخدمي الطريق. 6.التفحيط والتفجيرات بالطريقة الدرباويَّة، ممارسات خطرة وينادى بتخصيص أماكن لها لتنفيس الضغوط النفسيَّة والاجتماعيَّة ولامتصاص طاقات الشباب درءاً للأخطر منها على الآخرين وعلى الوطن. 7.ارتفاع نسب ثاني أكسيد الكربون المنفوثة من عوادم سيَّارات مهترئة خاصَّة بالعمالة الوافدة وبمؤسَّسات أعمالهم، وتشوُّه المظاهر الخارجيَّة لسيَّارات أولئك وغيرهم بتحطُّم أركانها وجوانبها وإناراتها وإشاراتها الضوئيَّة. 8.دبَّابات المراهقين والعمالة الوافدة في سرعاتها ومساراتها بين السيَّارات، وقطعها الإشارات الضوئيَّة، وينادى لهم بميادين، وتحفَّز ممارساتهم الخطرة بسباقات وباستعراضات. 9.يقود راشدون سيَّارات ودبَّابات بدون رخص قيادة أو رخص سير، ويقودها أطفال يحظر النظامُ المروريُّ عليهم ذلك. 10.استخدام مركبات النقل لغير ما أعدَّت له؛ وذلك لنقل العمالة وبأعداد كبيرة وتحت أشعَّة الشمس الحارقة. 11.زيادة أعداد ركَّاب سيَّارات النقل الخاصَّة والعامَّة بنقل الطلاَّب والطالبات والمعلِّمات. 12.ركوب الأطفال في المقاعد الأماميَّة للسيَّارات، ووقوفهم وإطلالاتهم من نوافذها. 13.استخدام منبِّهات السيَّارات بداع ودونه استفزازاً واحتجاجاً. 14.إهمال ربط أحزمة الأمان، وعدم تزويد المركبات بوسائل السلامة. 15.تظليل زجاج السيَّارات والتغيير فيها بإضافات إكسسواريَّة. 16.الانشغال بالجوَّالات أثناء القيادة مهاتفةً وكتابة رسائل وقراءتها. تلك أبرز المخالفات المروريَّة، وأجزم أنَّ الجميع يدركون نتائجها وآثارها، وحين يتأمَّلون فيها يتمنَّون اختفاءها في وطنهم، ولكن هناك نسبةً كبيرة من أولئك يتناسونها حينما تنتهي فترات تأمُّلاتهم فيعودون للواقع الميداني فيقعون بتلك المخالفات، فيا ليتَهم يعرفون أنَّهم جزءٌ من الحلِّ بل هم الحلُّ كلُّه، مخالفات مروريَّة لا يلتفتُ إلى معظمها رجال المرور بل وقد يمارسونها بسيَّارات المرور، ومن أبرز نتائج وآثار تلك المخالفات المروريَّة الآتي: 1.آلاف الوفيَّات وأضعافها من المعوَّقين، ويترتَّب على ذلك شغل نسب كبيرة من أسرَّة المستشفيات وعياداتها بمصابي الحوادث وبمعوَّقيها أثناء وقوع الحوادث ولفترات طويلة لاحقة. 2.آلاف من حالات الترمُّل والتَّيتُم وما يستتبعها من مشكلات اجتماعيَّة وتربويَّة تتطلَّب من الحالات نفسها ومن المجتمع جهوداً مضاعفة لتخفيف آثارها نفسيّاً واجتماعيّاً. 3.إهدار الممتلكات الخاصَّة والعامَّة وما يتبع ذلك من تعرُّض الأفراد والأسر لأوضاع اقتصاديَّة ومعيشيَّة ضاغطة تتسبَّب بمشكلات اجتماعيَّة وتربويَّة. 4.تنامي غرامات ساهر وتضاعفها لدرجة عجز الأفراد والأسر عن تسديدها، فعشرات الآلاف من الريالات يتحمَّلها الآباءُ عن أبنائهم ويقتطعونها من دخولهم التي لا تكاد لبعضهم أن تغطِّي احتياجاتهم الأسريَّة. 5.ظهور آلاف الورش للسمكرة وللميكانيكا وللتشليح، وتلك يعمل بها وافدون نظاميُّون ومخالفون لنظام الإقامة يتزايدون سنةً بعد أخرى، ويحوِّلون مليارات الريالات لخارج الوطن، بل حفز ذلك على سرقة السيَّارات لتشليحها. 6.تشقُّق الشوارع والطرق بالرَّغم من مواصفاتها العالميَّة، وتكسير الأرصفة وتشويهها وما يترَّب على ذلك من آثار أخرى، ويتطلَّب ذلك المليارات لصيانتها وإصلاحها من قبل عمال الصيانة الوافدين بمئات الآلاف. 7.تلويث البيئة في هوائها ومياهها وتربتها ببقايا السيارات الصدئة وإطاراتها المتفجِّرة والمهترئة وما تنفثه عوادمُها من ثاني أكسيد الكربون، وتأثيره على الصحَّة العامَّة، وما يتطلَّب ذلك من معالجات بيئيَّة وصحيَّة. ماذا يتطلَّب تطبيقُ النظام المروريِّ في بلادنا؟ وهل إدارات المرور في بلادنا عاجزة في كوادرها البشريَّة وإمكاناتها الماديَّة عن التطبيق؟!، لا يحتاجُ نظامُنا المروريُّ إلاَّ إلى الحزم في التطبيق وإلى الصرامة في ردع المخالفين، بل والتشديد بعقوباتهم وغرامات مخالفاتهم بحدودها العليا، ومصادرة سيَّارات المخالفين أو حجزها لفترات طويلة، والتوقيف والسجن لهم لفترات رادعة، وذلك يتطلَّب جهداً مخطَّطاً بتكثيف رجال المرور ودوريَّاتهم العلنيَّة، والاستعانة بدوريَّات سريَّة منهم ومن غيرهم، بل حتَّى لو تطلَّب الأمر الاستعانة مؤقَّتاً بجهات أمنيَّة أخرى كالحرس الوطنيِّ، والأمل ألاَّ يُعاق التطبيقُ بطروحات تنظيريَّة تنادي بالتوعية المروريَّة، أو بإدخالها بالمناهج الدراسيَّة أو غيرها ممَّا جرِّب على مدى العقود السابقة دون ظهور وعيٍّ ذاتيٍّ للمستهدفين، فحتَّى الدول المتقدِّمة لو تراخت بتطبيق أنظمتها المروريَّة لمارس سكَّانها تلك المخالفات المروريَّة.