تقف السيارات بكل انتظام خلف إشارة المرور الحمراء، ويمتثل السائقون في الوقوف من مسافة بعيدة، فالجميع اعتاد على (احترام) إشارة المرور، مع وجود حالات شاذة لاتكاد تذكر، ومن قبل ساهر.. كان السائق يمتثل للون الأحمر وقوفا، حتى لو لم يكن في الطريق سوى سيارته هو فقط، ولم نجد أحدا أبدى انزعاجه من الإشارة الضوئية، أو حاول إيذاءها أو التعدي عليها، بل الغالب يكن لها احتراما كبيرا، والسبب أنه يعلم يقينا أنها وضعت لأجل (سلامته) وحفاظا على حياته من (الحوادث) المتوقعة فيما لو تركت السيارات دون إشارات ضوئية، هذا الالتزام من السائق لهذه الآلة الصغيرة يعبر عن (احترام) النظام الذي وجد لأجل (مصلحته) والحفاظ على حياته، وأجزم أنه لو أجري استفتاء عام عن أهمية إشارة المرور لوصلت النسبة إلى 100% بدون أدنى جدال، ولو سئل المستفتون سؤالا مباشرا: هل يعتقد أن الإشارة الضوئية وضعت لغير (حمايته)..؟ لأجاب الجميع ب(لا)..!! ولو طبقنا حديثنا عن الإشارة الضوئية على النظام الجديد (ساهر) وسألنا أنفسنا سؤالا مماثلا وهو : هل يحترم السائق نظام ساهر..؟ ومن خلال مطالعات إعلامية ومتابعات الكترونية ومجالسات بشرية.. لم أجد من يثني على النظام إلا كفكرة مع الرفض التام للتطبيق..!! ولو أتبعناه بسؤالا مماثل عن : هل يعتقد أن نظام ساهر وضع لغير (حمايته)..؟ لأجابت عينة كبيرة جدا.. بنعم – مع الأسف – وهو الحصول على رسوم مالية من المواطنين..!! نظام ساهر (كفكرة) أمر مهم لضبط المخالفات المرورية التي تسببت بإزهاق الأرواح وإحداث العاهات، وما خبر انخفاض نسب الحوادث بعد تطبيقه إلا مؤشر (إيجابي) عليه، لكن المختلف عليه هو في (التطبيق) الذي سيجعل مداخيل الأسر الشهرية يذهب جزء كبير منها إلى (خزينة) النظام الجديد، وقس حجم المأساة وعمقها حينما نعلم أن أكثر قائدي المركبات هم من الشباب ذوي الدخول المتوسطة بل ربما المعدومة..!! وقبل أيام كنت أستفسر عن طريق الموقع الالكتروني لوزارة الداخلية عن مخالفات أحد طلابي وهو شاب في التاسعة عشرة ومن المتفوقين دراسيا والمنضبطين أخلاقيا وسلوكيا وذهلت حينما طالعت المبلغ المطلوب منه لفترة أقل من أربعة أشهر هي فترة تطبيق النظام في منطقتي حيث كان عليه مبلغ أكثر من 7000 آلاف ريال (سبعة آلاف ريال) وحينما بحثت له عن تفاصيل هذه المخالفات وجدت أنها كلها (سرعة) ووجدت أن أكثر من 80% منها غير مقنعة أو مبررة..!! وأكثر مخالفاته داخل المدينة، حينما يتخطى السرعة المقررة وهي 70 كم/ساعة..! وهنا فإن النظام أخطأ مرتين في هذا الأمر، الأولى أنه ساوى في سعر المخالفة بين من كانت سرعته 71 كم ومن كانت سرعته 99كم .. وقرر لها مبلغ 300 ريال..!!! والثانية أنه لم يراعِ وقت ارتكاب المخالفة، فتسجيل المخالفة في وقت الذروة وهو مايعني احتمالية ارتكاب الحوادث يجب أن يختلف عن ارتكابها في أوقات ميتة كساعات منتصف الليل وبعد الظهر حينما تكون الشوارع خالية، والأمر الثالث والمهم هو أن النظام السابق كان يحاسب على السرعة بقسيمة تبلغ 150 ريالا، أما نظام ساهر فضاعف المبلغ 100% ليكون 300 ريال لأقل من 99 كم و500 من 100-150 كم وهنا فالأمر لابد أن يشعر (المستهدف) من نظام ساهر أن ساهر لم يأتِ لحمايته .. بل ل(........)..!!!! وهو مايفسر الحملة الشعبية ضد النظام، بل وصل الأمر في بعض المناطق إلى الاعتداء على سيارات ساهر وهو مؤشر يؤكد بوضوح أن هناك متضررين ناقمين يشعرون أن ساهر (ضدهم.. وليس معهم)..!! وحالة ذلك الشاب ليست بدعا، وحفزتني لأطرح الموضوع على طلابي في قاعة المحاضرات وذهلت وأنا أستمع لعدد كبير منهم عن أرقام مهولة في مبالغ المخالفات، تطرح آلاف الأسئلة عمن سيسدد تلك المبالغ خاصة وهي تتراكم بمجرد مرور شهر عليها، وسمعت من أحد الطلاب أنه مطالب بمبلغ 16 ألف ريال لمخالفات ساهر، وهذا الأمر سيفتح بابا للحاجة والعوز أمام أفراد المجتمع وسيجد الأب أنه يخطف اللقمة من أفواه أبنائه ليسدد لساهر سواء مخالفاته هو أو مخالفات أبنائه..!! خاصة وأن تسديد المخالفات مرهون بأمور كثيرة، منها استخراج الجوازات واستقدام العمالة والحصول على وظيفة والقبول في الجامعات.. الخ، بمعنى أن ولي الأمر سيضطر لا محالة لدفعها، وربما نشاهد (نداءات) في الصحف عن (محتاج) يبحث عمن يسدد عنه مخالفات ساهر، وليس بعيدا أن تنصب عرائض المحتاجين أمام بوابات الجوامع والمساجد..!!! الطريف في الأمر.. أن لائحة المخالفات المرورية أوجدت مايعرف بنظام (النقاط في المخالفات المرورية) والذي يقضي بسحب الرخصة لفترات معينة تبدأ بثلاثة أشهر وتنتهي بسحبها نهائيا وحينما تتأمل قائمة تسجيل النقاط تجد أن أكثر من 50% من أفراد المجتمع (يفترض) أن يكونوا حرموا فعليا من القيادة وسحبت منهم رخص القيادة...!! وخذ مثالا على ذلك (عدم الوقوف تماماً عند إشارة قف 6 نقاط، تجاوز السرعة المحددة بأكثر من 25 كم في الساعة 6 نقاط، عدم إعطاء الأفضلية للسيارات التي بداخل الدوار 6 نقاط، تجاوز السرعة المحددة بمقدار لا يزيد عن 25 كم في الساعة 4 نقاط، تجاوز حافلات النقل المدرسي عند توقفها للتحميل والتنزيل 4 نقاط) ناهيك عن المخالفات التي يصل فيها الخصم إلى 24 نقطة..!! وربما ألتمس العذر لمن سن تلك النقاط إذا كان هناك هدف غير معلن بالتقليل من قائدي المركبات..!! ولقد حاولت من باب التأمل معرفة النقاط التي حصل عليها غالبية الشباب ممن أدرسهم، فوجدتها تتراوح بين 24- 58 نقطة.. مما يعني تلقائيا سحب الرخص منهم..!!