الغنائم من الأسلحة والقذائف تباع من فصيل لآخر وبأسعار خيالية. استشهاد وأسر 57 من الثوار في خنادقهم جراء الخيانة. مرض اللشمانيا يصيب أكثر من 10 آلاف شخص في المنطقة وأسعار العلاج باهظة إن توفر. حوالي 200 ألف نازح يحتاجون الماء والغذاء والدواء ويتعرضون للقصف يومياً. أعلنت الكتائب المقاتلة منذ أربعة أشهر تقريباً، عن بدء معركة البنيان المرصوص، لتحرير قاعدة وادي الضيف الاستراتيجية ومعسكر الحامدية ومدينة معرة النعمان في محافظة إدلب، وبتاريخ 14 من هذا الشهر أعلنت القيادة العامة لحركة أحرار الشام الإسلامية التابعة للجبهة الإسلامية السورية انتهاء معركة البنيان المرصوص، وبدء معركة «دحر العداون من مشارف معرة النعمان»، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة بقيادة حركة أحرار الشام الإسلامية وصقور الشام والمجلس العسكري في محافظة إدلب وفي نفس اليوم تسللت قوات الأسد وقتلت أكثر من خمسين مقاتلا من الثوار ما أظهر خلافات بين الكتائب المقاتلة وصلت إلى درجة التخوين. الإعلان الأول للمعركة صدر باسم الثوار والجيش الحر بينما صدر الإعلان الثاني باسم القيادة العامة لحركة أحرار الشام، كما تراجع الإعلان الثاني عن أهداف معركة البنيان المرصوص من تحرير وادي الضيف والحامدية والمعرة إلى دحر العدوان عن مشارف المعرة، وبين الإعلانين نشر ناشط على صفحة ثورة أبطال جبل الزاوية بتاريخ 23 فبراير ما يمكن وصفه بالتحذير، جاء فيه: «يا من أقسمتم أربع مرات أنكم ستقدمون كل ما تملكون من عتاد وسلاح وستقدمون دماءكم وأرواحكم فداءً لديننا ووطننا… ها نحن نفاجأ بأن قذيفة الدبابة وهي غنيمة في الأصل، تباع من فصيل لفصيل آخر ليضربها على قوات الأسد بأسعار خيالية، ويتساءل الناشط: على من نلقي اللوم هل على الجالس في بيته مع أسلحته وذخائره ولا نعلم متى يستخدمها، أم على بائع الذخائر المغنومة أصلاً من الجيش مدعياً القدرة على حسم المعركة في وادي الضيف والحامدية؟ هل هناك لائحة على مدخل وادي الضيف مكتوب عليها «انتبه لا يجوز لفصيلين ينتميان إلى جهتين مختلفتين المشاركة في آن واحد في معركة وادي الضيف والحامدية»؟ اتهامات بالخيانة حتى الآن يبدو الوضع طبيعياً، خلافات بين فصائل متعددة ربما على دور كل منها في القيادة، وربما خلافات أيديولوجية، في ظل غياب قيادة عسكرية مشتركة، والأهم غياب مرجعية عسكرية عليا، لكن استشهاد وأسر نحو 57 عنصراً من بعض الكتائب التي تحاصر وادي الضيف، دفع بالخلافات للظهور على السطح مؤخراً وصل الأمر إلى التخوين واتهامات بالتعامل مع جيش الأسد. ينقل أحد الشهود من المنطقة نقلا عن اثنين نجوا من المجزرة بأعجوبة أن قوات الأسد وصلت إلى المقاتلين الذين يحاصرون وادي الضيف في خنادقهم بلباس جبهة النصرة، وأطلقوا النار عليهم وهؤلاء هم من تصدوا لجميع الأرتال العسكرية لقوات النظام لفك الحصار عن وادي الضيف، ويتساءل كيف وصلوا إلى هذه المنطقة دون خيانة. ويتهم الشاهد أحد القادة الميدانيين في المنطقة وقال الجميع يعرف اسمه ولا أحد يتجرأ على ذكره نظرا لما لديه من قوة عسكرية ضاربة. وأضاف الشاهد أن من يدعم هذه الجماعة هو عضو في مجلس الشعب لدى النظام المدعو أحمد درويش وهو من ريف خان شيخون قرية «الخوين». التقصير من الإسلاميين يقول محمود العكل أحد أعضاء قيادة الحركة الصوفية الإسلامية في سورية أن لواء شهداء سوريا وألوية أحفاد الرسول هم أفضل من قدموا في هذه المعركة وأن التقصير كان من الإسلاميين وتحديداً أحرار الشام وصقور الشام الذين رفضوا العمل تحت قيادة جمال معروف من لواء شهداء سوريا، وكان وجودهم ضعيفاً باستثناء لواء فجر الإسلام التابع لصقور الشام في المنطقة الغربية، مضيفاً أنه من الطبيعي أن نخسر جولة بعد خمسة أشهر من المرابطة على طريق الموت. لكن العكل عاد وأكد معظم ما جاء في هذه الوثيقة وملخصها أن وفداً من المحكمة الشرعية وأحرار الشام طلبوا من جمال معروف قائد لواء شهداء سوريا بعد حصار وادي الضيف بخمسين يوما إما حسم المعركة أو الانسحاب، وطلبوا منه التوقيع على وثيقة غريبة: إذا لم يسقط وادي الضيف أو معسكر الحامدية خلال خمسة عشر يوماً فيتعهد بسحب كامل قوات شهداء سوريا وأحفاد الرسول من المعركة؟!! وخلال هذه المهلة كان النظام يدفع بتعزيزاته إلى المنطقة من خان شيخون إلى معسكر الحامدية وتمكنت قوات شهداء سوريا وأحفاد الرسول من صدها ودمرت على الطريق الواصل من خان شيخون إلى قرية «بسيدة» أكثر من سبع عشرة دبابة وعربة مدرعة وأكثر من عشرين سيارة محملة بالذخيرة والطعام، وأعطبت أكثر من سبع آليات في وادي الضيف، بينما كانت قوات صقور الشام وأحرار الشام وكتائب الفاروق والمجلس العسكري بإدلب يتفرجون، وحتى أنهم سحبوا عناصر تابعة لهم من عدة مواقع حيوية حول وادي الضيف، وفكوا حصارهم لمعسكر القرميد، وعندما أراد شهداء سوريا مشاغلة القرميد بالهاون منعوهم بحجة أنهم يحاصرونه، وفي ذلك اليوم أطلقت قوات النظام على ساحة المعركة أكثر من 35 قذيفة ما أدى لاستشهاد أربعة عناصر من كتائب شهداء سوريا. سبب الخلافات يقول عبد المعين الحميّد قائد لواء أسود الرحمن التابع لحركة أحرار الصوفية إن وادي ضيف هو أقوى نقطة عسكرية على مستوى سورية وأنه يوجد في الحامدية أكثر من 38 حاجزاً على مساحة صغيرة، وأن الطريق من بلدة خان شيخون حتى وادي الضيف مزروع بالنقاط العسكرية، وهذا يحتاج إلى عتاد وذخيرة لمواجهته، إضافة لوجود بعض الخلافات بين قادة العملية تحتاج لحل، ورأى الحميّد أن سبب الخلافات هو سوء التموين والتمويل، فالسلاح والذخيرة تصل إلى جهات دون أخرى، وقيادة الأركان تتحمل مسؤولية هذا الوضع كما تتحمله الجهات الداعمة في الخارج. حدوث خيانة الرائد أبو محمد الجولاني من ألوية أحفاد الرسول أكد حدوث خيانة، لكن عزاها إلى أشخاص لا علاقة لهم بالثوار، إنما هم يدعون أنهم ثوار ويقاتلون حقيقة مع الجيش النظامي، وبحسب المعلومات المسربة أن عدداً من الأشخاص نقلوا معلومات عن مكان وجود المرابطين على طريق الموت إلى الجيش النظامي، وتسلل أكثر من ستين عنصراً من الجيش النظامي ما أسفر عن نحو سبعة وخمسين شهيداً وأسيراً. في حين نقلت إحدى غرف أخبار الثورة باسم مشهور الأحمد بأن قوات من كتائب الأسد بمساعدة عناصر مندسة من الجيش الحر تسللت إلى مرابط الثوار ليلاً، علماً أن بعض المرابط أخليت لأول مرة في تلك الليلة، ودخل عناصر الجيش النظامي بلباس جبهة النصرة وجلسوا مع الثوار، ثم فتحوا النار عليهم وتابعت آليات الجيش النظامي بعدها اقتحام قرية بابولين وصهيان ودار السلام والصالحية والعامودية لتدور بعدها معركة طاحنة بين الثوار وكتائب الأسد استمرت خمس ساعات، طلب خلالها الثوار مؤازرة فلم يصلهم إلا بنادق وقنابل يدوية في حين كان الطلب على قذائف مضادة للدروع، ويتهم الأحمد في النهاية كتائب وألوية شهداء سوريا وألوية أحفاد الرسول ببيع المنطقة، مؤكداً حدوث خيانة وأن السلاح الموجود في إدلب يكفي لتحرير إدلب وحماة لكن البعض يتاجرون. السلاح ليس نوعياً يرد محمود العكل على هذا الاتهام أن عدد من استشهدوا من ألوية شهداء سوريا في هذه العملية بلغ أكثر من ثلاثة وعشرين شهيداً فكيف يمكن تصديق هذا الاتهام؟وأكثر من ذلك المنطقة المقتحمة خارج نطاق سيطرة أحفاد الرسول. على أية حال تنتهي قصة هذه العملية بإصدار المحكمة الشرعية في خان السبل بياناً في ليل اليوم ذاته يلغي معركة البنيان المرصوص ويعلن بدء معركة تحرير المعرة، وهذه الفصائل هي أحرار الشام وصقور الشام والمجلس العسكري بإدلب علماً أن هذه الفصائل كانت جزءًا من البنيان المرصوص ووقفت موقف المتفرج في انتظار فشل كتائب شهداء سوريا وأحفاد الرسول. يؤكد الرائد الجولاني من أحفاد الرسول أنهم يتلقون سلاحاً مع كتائب شهداء سوريا وأنهم يقاتلون بشكل دائم ويمدون غيرهم بالسلاح إذا طلب منهم، لكن المشكلة أن السلاح الذي يصلهم ليس نوعياً ولا قوياً، مشيراً أنهم يقاتلون جيشاً نظامياً مزوداً بكل أنواع الأسلحة وليس ميليشيا، وهو متفوق عليهم بمئات المرات، ويعزو ظهور الخلافات إلى العلن رغم أنه يعتبرها بسيطة إلى عدم الإدراك والتركيز، معتبراً أن ذلك طبيعي في سياق ثورة شعب، فكل واحد انتمى إلى مجموعة في منطقته وعمل معها ولا يوجد شيء منظم. قتال لأجل شبيح بعد بيان إنهاء معركة البنيان المرصوص أصدر الشيخ حسن الدغيم من المحكمة الشرعية فتوى بتجهيز رتل تعداده أكثر من 400 مقاتل معززين بدبابتين وعدة هاونات ورشاشات ثقيلة واتجه جنوباً فظن المقاتلون أنهم أتوا لفك الحصار عن الثوار، ولكن فوجئوا أنه متجه لإلقاء القبض على رجل اسمه «منذر العناد» كان اختطف شبيحاً من الأوتوستراد وأتوا لأخذ الشبيح منه، علماً أنه كان مساءً في المحكمة، فظنّ منذر العناد أن الرتل تابع لجيش النظام، فواجهه مع عناصر كتيبته، وبحسب محمود العكل أن منذر العناد هو عبارة عن لص وقاطع طريق، وأنه قتل خلال المواجهة مع أحرار الشام تسعة عناصر منهم، وكاد يشعل فتنة بين القبائل والحضر، فعناد من عشيرة الموالي وعندما هوجم آزرته عشيرته وقاتلت معه في البداية. ويتساءل ناشط: أمن أجل شبيح جيّشتُم 400 مقاتل وعدة آليات ثقيلة؟ وفي وادي الضيف يوجد أكثر من ألف شبيح ينتظرون ثغرة صغيرة للانقضاض على المقاتلين الذين هم بأمسّ الحاجة للدعم بالعدة والعتاد والتوحد في القرار والمصير؟ يقول الرائد الجولاني: القائد الحقيقي والقوي هو من يملك المال، إذاً فنحن أمام مشكلة تناقضات بين الكتائب المقاتلة وليست مشكلة خلافات صغيرة، وإلا كيف نفسر أعداد الضحايا الكبيرة بسبب خلافات صغيرة؟ وحالة وادي ضيف ليست استثناءً، فالمعلومات المتوفرة عن مناطق أخرى في دير الزور والرقة وحلب تشير إلى أنه سيناريو متكرر، في ظل غياب قيادة عسكرية فاعلة على الأرض. 200 ألف نازح ويقول ناشط في المنطقة أن واقع المنطقة سيئ والسكان يدفعون ضريبة هذا الانقسام الذي أوصلهم له القادة الميدانيون، في الوقت الذي يستمر النظام في القصف اليومي والقتل والتدمير. وأضاف الناشط أنه يوجد في المنطقة حوالي 200 ألف نازح يعيشون في العراء والخيام والأبنية الحكومية المهجورة والمدارس، ولم تصلهم أية مساعدات أو مواد إغاثية منذ ستة أشهر. كما يعانون من مرض اللشمانيا الذي أرهقهم حيث تتجاوز الإصابات 10000 إصابة ولا يتوفر لهم المصول والأدوية اللازمة لمعالجة هذه الحالات كما اللقاحات للأطفال، وأوضح الناشط أنه وفي حال توفرها فإن أسعارها باهظة جدا، ولا يستطيع معظم الناس شراءها، وأضاف أن الوضع الغذائي والصحي سيئ للغاية حتى المياه الصالحة للشرب غير متوفرة، وختم بقوله إن الناس بدأت تتمنى الموت على الاستمرار في هذا الوضع الذي وصلوا إليه بفعل زعماء الحرب وانحراف الثورة عن هدفها الذي ضحى عشرات الآلاف من السوريين بدمائهم والملايين ضحوا بما يملكون لأجلها. طفلة سورية نازحة تحمل وعاء فارغا في مخيم السلام على الحدود التركية (أ ف ب)
قافلة للجيش الحر تسير نحو خط المواجهة مع قوات الأسد (رويترز)