شهدت الرياضة السعودية هذا الأسبوع بزوغ فارس ونجم جديد للبطولة الأم للمسابقات السعودية، وهي بطولة دوري زين التي ظلت حكراً من الزمن مقصورة على ستة أندية فقط، ويمكنني أن أُشبهُ الفتح بعد حصوله على البطولة بالمتسابق في مضمار العشرة آلاف متر؛ حيث يتطلب من المتسابق أن يوزع نَفَسه ويحسب خطواته حتى قبيل نهاية السباق، ومن ثم ينطلق بسرعة قصوى حتى يصل إلى خط النهاية ليحقق الفوز بالميدالية الذهبية، هذا هو ما فعله نادي الفتح منذ بداية الدوري وحتى نهايته فقد تمكن الفتح بلاعبيه وإدارته ومدربه من أن يوازن خطاه في جميع مبارياته في الدورين الأول والثاني حتى تمكن من الحصول على العلامة الكاملة؛ حيث هو الأكثر فوزاً خارج أرضه وعلى أرضه. العبرة والعظة هنا تتجاوز الرياضة برمتها، وتؤكد أن الجميع يتفق على أن الفكر الإداري الناجح هو الأسلوب الأضمن والأمكن في تسيير الأمور للوصول إلى أعلى مستويات النجاح، وينسحب ذلك على أي جانب من الجوانب التربوية أو الاجتماعية أو السياسية؛ فالمسؤول الناجح والبارع هو الذي يستطيع أن يحدد مواضع الخلل ويقوّمها ويُغيّر ويقود الفريق إلى النجاح والوصول إلى القمة مهما واجه من مصاعب وعراقيل، فالنجاح يحتاج إلى عزيمة وهمة عالية ورباطة جأش وفكر متقد يضع الخطط ومن ثم يحصد النجاح. هذا هو الدرس الذي قدمه لنا نادي الفتح السعودي الذي صنع إنجازاً تاريخياً عجز عنه الكبار عبر عشرات السنين بسبب تخبطاتهم وقراراتهم الفردية التي في الغالب ما تؤدي إلى الفشل الذريع، فالإنجاز الفتحاوي هو إنجاز على مستوى الوطن، وأتوقع أن الأغلبية صفقوا له وفرحوا له؛ لأنه جاء من ناد كان مغموراً قبل تحقيقه لهذا الإنجاز العظيم، على الرغم من قلة موارده المالية والتي لا توازي الموارد المالية التي تُضخ للأندية الكبيرة الأخرى. وهذا الإنجاز الذي حققه نادي الفتح هو أشبه بالمعجزة التي تحدث في بعض الأحيان فقد حقق الفتحاويون إنجازاً فريداً على مستوى الوطن، ولابد من أن تكون التجربة الفتحاوية إنموذجاً يُدرسُ عبر الدورات التدريبية الرياضية، وخصوصاً الدورات التدريبية التي تهتم بالأساليب الإدارية؛ لأن السواد الأعظم من الجمهور الرياضي كان يتوقع أن فَورة الفتح في الدور الأول سوف تنطفئ وتنتهي، إلا أنهم خيبوا كل تلك التوقعات واستمروا في صياغة وحياكة مجد جديد لهم، عبر الإصرار والتفاني من الإدارة والجهاز التدريبي واللاعبين ومساندة ودعم الجمهور الفتحاوي لفريقهم كل ذلك أثمر عن وضع اللبنة الأخيرة وإعلان المجد الكروي بميلاده الجديد لهم بعد الانتصار الأخير على فريق الأهلي. وما يجب أن نتعلمه من هذا الدرس ومن هذا الفكر الرياضي الناجح كثير أوله: عدم اليأس في الوصول إلى الهدف المنشود والمخطط له، تناغم الفكر الإداري في منظومة إدارة الفتح فلم نسمع عن تجاوزات إدارية أو عن تخبطات إدارية أو تناقضات في التصاريح أو استقالات، وكذلك نجاح العمل الجماعي واستقرار المدرب عدة سنوات، وعدم التدخل في عمله، هذه العوامل ساعدت الفتح كثيراً على تحقيق هذا النجاح، ونجاح الفتح يجب أن يتخذه الجميع قدوة تحتذى ويَتعلمُ منه الجميع في أنديتنا الرياضية الكروية؛ لأن النجاح كما ذكرنا سابقاً يحتاج إلى تضافر الجهود في شتى المجالات، والتفاني في العمل، وبذل أقصى معدل الإخلاص في العمل. عموماً أنا سُعدت كثيراً بهذا الانتصار وهذا المجد التاريخي لنادي الفتح؛ لأن هذا الانتصار قدم لنا بطلاً جديداً في الكره السعودية، وأبعد عن أذهاننا الهيمنة القديمة للعسكر الرياضي القديم، فالتجارب الجديدة الآن مع شبكات التواصل الاجتماعي والفكر الإداري الشبابي الجديد أظهرت لنا أيضاً نادياً شاباً وجديداً يمتلك مقومات كبيرة تتمثل في نادي الفتح بالأحساء. وختاما نقول: إن الرياضة لم تعد مجرد هواية وتسلية معزولة عن الفكر والإدارة والتخطيط، بل تحولت إلى عملية حضارية واقتصادية تحكمها نظريات وقواعد علمية، كما أن إدارات الأندية يجب أن تنتقل إلى فكرٍ جديدٍ وهو إدارة المؤسسات والكيانات الرياضية؛ وهذا يتطلب الاعتماد على التخطيط السليم في إدارة الموارد، وكذلك استثمارها. آمل أن يكون درس نجاح نادي الفتح نبراساً وقدوة للأندية الأخرى التي لم تحصل على هذه البطولة أو تأخرت كثيراً في الحصول عليها، وأن تعمل بفكر جديد يتماشى مع متطلبات هذه المرحلة، وأن يبتعدوا عن الطرق القديمة التي أصبحت في عالم النسيان، وأُهنئ نادي الفتح بهذه البطولة وهذا المجد التاريخي الجديد كما أهنئ هؤلاء الرجال المخلصين الذين عملوا وتعبوا حتى حصلوا على الذهب والمجد من جميع أبوابه.