الموتُ سِرُّ الحياة، وهو كائنٌ مخلوقٌ جاءت منه الحياةُ بقَدرِ الله.. يقولُ اللهُ عزّ وجلّ-: «الذي خلقَ الموتَ والحياةَ».. نلاحظ أن اللهَ – تعالى- قدّمَ خلقَ الموتِ على خلقِ الحياة؛ ولتوضيح ذلك: هل يستطيعُ أحدٌ أن يضعَ في التربةِ بذرةً (حَيَّة) خضراء، ثم يَدَّعي أنها ستنبتُ وتخرجُ منها حياة؟ كلا، بل لابد أن تموتَ هذه البذرةُ أولاً، ثم تخرجُ منها الحياة ثانياً! كما نلاحظ أن هذا الترتيب في خلق الموت والحياة، يتكرر في قولِ اللهِ – تعالى-: «يُخْرِجُ الحيَّ من المَيِّتِ ويُخرجُ المَيِّتَ من الحيِّ». ولن تجدَ في القرآنِ المجيدِ كُلِّه أنْ تقدّمَ قولُ اللهِ: «يُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ» إلا بعد أن يقول: «يُخْرِجُ الحيَّ من المَيِّتِ»؛ على فهْمِ أنّ كُلّ مخلوقٍ (حيٍّ) آتٍ من مخلوقٍ آخرَ اسمه (الموت). ألم يَخْلُقِ اللهُ- تعالى- آدمَ- عليه السلام- من مخلوقٍ ميتٍ هو التراب المختلط بالماء ليصبح طيناً لازباً بعد جفافه؟! قال تعالى: «إنّا خلقناهُم مِنْ طينٍ لازبٍ».. ثم ألم يُسْقِ اللهُ الأرضَ الميتة بالماءِ فتحيا؟! والماءُ مخلوقٌ ميت، قال اللهُ فيه: «وَجَعَلْنا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ».. فهَلاَّ قادنا ذلك إلى تدبر السِّر في أنّ اللهَ خلقَ عرشَهُ على الماء قبل أن يخلقَ السمواتِ والأرضِ وما فيهن؟! ثم ماذا بعد كل هذه الحياة؟ ألم يَرُدُّها اللهُ إلى أصلِها (الموت)! فلا يبقى مخلوقٌ على الأرضِ ولا في السماء إلا مَلَكُ الموت، فيُميتهُ اللهُ، ثم ينادي- جلَّ شأنه- «لِمَنِ الملكُ اليوم» فلا يُجيب أحد؛ إذ لا وجود لشيءٍ إلا الله الحيُّ الذي لا يموت، بينما كُلُّ حيٍّ قد عادَ إلى أصلهِ المخلوق منه وهو الموت! لكن يبقى السؤالُ يُحيرني: هل يُميتُ اللهُ الموت- طالما هو أحدُ خلقه- ثم تأتي بعده الحياة الأزلية، حيث لا موت بعد ذلك؟.. لهذا كله رأيتُ أن الموتَ ليس نهاية الحياة، بل هو بدايتها!