مدينة بالنسيا تذكرني بفيلم السيد (El Cid)؛ فهي من الحواضر الإسلامية التي سقطت مبكراً عام 1236م، ولحقتها قرطبة عام 1238، وبعدها إشبيلية عام 1248م، ومعها وصلت مدافع الإسبان إلى حافة الأطلنطي، وطوّقت آخر مملكة في غرناطة، التي عاشت حتى عام 1492م. وهو عمر طويل لمريض مدنف. في مدينة بالنسيا كنتُ في زيارة صديقي الكردي حسن، الذي احتفى بي، قلتُ له إسبانيا مشهورة بمصارعة الثيران، فهل هناك جولات في مدينتكم؟ قال نعم في هذه الأيام. قلتُ له أريد أن أعرف معالم إسبانيا، فلنذهب للحفلة، ولكن أريد أخذ مكان فلا يفوتني شيء. إنني أريد أن أكون شهيداً في العالم أعرف ما يدب فيه. توجهنا إلى الساحة، قال لي خذ موضعاً قريباً ومظللاً، ولكنك ستدفع أكثر. فعلاً جلستُ في مكان أرى فيه المصارعين وأسلحتهم على بعد أمتار. من بعيد في الساحة فُتح باب فانطلق منه ثور هائل يشخر ويزبد ويضرب الأرض برجليه. صاح بمكبر الصوت المذيع فأعلن اسم الثور ووزنه وعمره، ثم أعلن عن المصارع. كان شعوري أن جبروت الثور الذي يزن قريباً من أربعمائة كيلو لن يبقي المصارع على قيد الحياة. تقدم فارس على ظهر حصان هائل مدرع، وفي يده رمح. بدأ في الحفر في عنق الثور الهائج وظهره. قلتُ والناس تصيح ألّا يضعفه أكثر، فقد بدأ بالنزف. قلتُ إنها المجاحشة في البداية. ثم جاء دور المصارع ليلعب بثور ضعيف نازف يلهث قد تدلّى لسانه من شدة العطش. مع هذا فقد كانت الدورة مخيفة لثور مجروح، ولكن رشاقة المصارع وخفته كانت تنقذه كل مرة. في أحد الجولات كاد أن يهلك، فهرب واحتمى بيننا والناس تصفر لجبنه. يقول المثل الهزيمة ثلثي الرجولة! هل كانوا يريدون منه الانتحار؟ بعد تعب الثور المفرط، والنزف الشديد، أصبح الثور يخور، يطلب الشفقة، وما من رحمة، فقد توجه له المصارع بالسيف بعد تحديد اتجاه القلب، ليطعنه في الصدر، فيخر المسكين. مشاعري اختلطت، ولكن الذاكرة حفظت جبروت الإنسان، وعدم رحمته حتى للحيوان. وتذكرتُ قول ربي «إنه كان ظلوماً جهولاً».