من واقع الطائر الأزرق الذي شغل الدنيا والناس إلى الأساطير القديمة عن الطائر الحكيم، تقف حكاية تويتر عند نقطة ما زالت تسترعي انتباه المراقبين. هذه النقطة تنبئ عن أنّه ما لم يتم التواضع على وسيلة تكبح جماح هذا الطائر الأزرق الجميل الصغير، فإنّه سيتحول إلى صقر كاسر لا يعترف إلا بالتكتلات العملاقة عن طريق تصنيفات متعددة تعتمد على الجهوية والفئوية في انتشارها. أو من الممكن أن يتحول إلى عنقاء، ترمي بحممها المستعرة على كلّ مخالفٍ للرأي، ليتحوّل هذا الموقع من نافذة ينسرب منها بعض ضوءٍ للتعبير عن الرأي والأفكار وعواطف الاتصال الاجتماعي إلى ساحة معركة تفيض بالأضداد، وتبرز أدوات الصراع حتى لا تعرف مَن هو الخصم ومَن هو الحَكَمُ. تقول الحكاية القديمة: «إنّ رجلاً أمسك عندليباً فوعده العندليب بثلاث نصائح ثمينة إذا ما أطلق سراحه، فلما وافق الرجل قال العندليب: «لا تجرب المستحيل، لا تتحسر على ما فات، لا تصدق حكاية بعيدة الاحتمال». وهنا أطلق الرجل سراح الطائر، لكن الطائر أراد أن يمتحن الرجل فقال له: «يا غبي أضعت كنزاً من يدك، لأن معي لؤلؤة كبيرة في حجم عين النسر». وتملّك الطمع الرجل، وحاول أن يمسك بالعندليب، واعداً أنّه سيعيد إطلاق سراحه، فقال العندليب: «لقد عرفت الآن الكيفية التي استعملت بها نصائحي الثلاث، فأنا نصحتك بألّا تيأس على ما فات، وها أنت تقف متحسراً لإطلاقك سراحي، ونصحتك بألّا تقتحم المستحيل، وها أنت تحاول الإمساك بي رغم عجزك، وأخبرتك ألّا تعتقد فيما هو بعيد الاحتمال لكنك صدقتني حينما أخبرتك أنّ بحوزتي لؤلؤة أضخم من جسدي». وهذا عينه ما يفعله المغردّون على تويتر، أداة الانتشار السريع للأخبار والبيانات القصيرة وروابط الإنترنت. فهم يعلمون من نصائح استخدامه أكثر مما يعلمه هذا الرجل، ولكن بالرغم من ذلك يطلبون من هذا الطائر المستحيل، ويحمّلونه ما لا طاقة له به، ويتركون الاحتمالات المنطقية القريبة ليطلبوا المعجزات. كما أنّهم لا يتوانون عن إعاثة الصفحات فساداً دون أدنى مسؤولية، متدثرين بأسماء مجهولة، ناشرين الفتنة وأمراض الطائفية والقبلية، ومحوّلين التغريد إلى نحيب وعويل. ومن كل ذلك يتضخ أنّ الطائر المغلوب على أمره يدرك وهم لا يدركون الفرق بين الحرية والفوضى. يعبّد تويتر، كموقع تدوين اجتماعي، جسور التواصل بين الناس، ويساهم بشكل كبير في استعانة الإعلام المؤسسي بإعلام الفرد المؤثر. ومنذ إنشاء الموقع عام 2006م وأسراب من الطيور المغرّدة تتبع بعضها بعضاً حتى تربعت المملكة العربية السعودية على عرش تويتر خليجياً بحوالي ثلاثة ملايين مشترك، يمثلون 12% من السكان، بينهم 45% من النساء وفق تقرير (حال الإعلام الاجتماعي في السعودية 2012). وهذا الكمّ الهائل من التغريدات، الذي قُدّر بحوالي خمسين مليون تغريدة شهرياً في السعودية وحدها أي حوالي 30%، جعل من اللغة العربية إحدى أسرع اللغات العالمية نموّاً عبر تويتر، كما استحقت العاصمة الرياض لقب عاشر مدينة مغرّدة في العالم، حسب أحدث الدراسات التي تناولتها وكالات الأنباء العالمية في فبراير من هذا العام 2013م. كل هذا جميل جدّاً، ولكن هذا الألق يحتاج إلى شيءٍ يزينه وهو المسؤولية التي جعلها قانون تويتر تُختزل في 140 حرفاً، فلو لم تسمح هذه الحروف القليلة في بث تغريدة عذبة، فمن اللائق على المغرّد أو الناعق أن يهجر هذا العش لغيره. فتجارب كثيرة تُبث بين أكثر الأغصان وحشية، واختار بعض المغردين بإرادتهم ترك أغصانٍ وارفة بكل المعاني الجميلة، ليتعلقوا بأغصانٍ شائكة، تغرز حرفها في صدر الغير في وحشية لا تدانيها غير وحشية أكثر المعارك دموية. لتويتر بوصفه أحد مواقع التدوين الاجتماعي وجهان، وجه إيجابي يستثمر في التأثير الإيجابي الفعّال والتواصل الإنساني ومهام الإخبار في كل المجالات، فضلاً عن التوعية والإمتاع والترفيه وأحياناً تلخيص آلام النفس وشجونها. أما الآخر فهو وجه ينضح بالكراهية، ينعق فيه بومٌ هارب بعُقده النفسية والاجتماعية وعنصريته البغيضة لأنه لم يستطع بث كراهيته وتصفية حساباته على أرض الواقع فوجد في أعشاش العالم الافتراضي الباهتة ساحة يدير فيها معركته. ولكل من أنصار الاتجاهين مبررات وأساليب في كيفية الدفاع عن تبنيهم أيّاً من الوجهين. أما الوجه الإيجابي فقد عكسه مروان المريسي، وهو أحد المهتمين، الذي خاض تجربة تجميع تغريدات تويتر الجميلة والطريفة في كتاب (لبن العصفور..باقة من أطرف التغريدات العربية). فقد جمع في متنه مجموعة من التغريدات المصنوعة باحتراف عالٍ، وليست نقلاً أو قولاً مأثوراً أو غيرها من العبارات القديمة المقدمة في كؤوس جديدة. وقد قام بتجميع هذه التغريدات وفقاً لشروط معينة منها: ألا تكون التغريدة الساخرة مرتبطة بمناسبة معينة حتى يتمكّن القارئ من أن يطلع عليها في أي وقت شاء، ثم ألّا تكون منقولة بل من تأليف المغرّد. أما الزيف، الذي يتبع تويتر فهو في كثرة الإشاعات ونقل الأخبار الكاذبة، بالإضافة إلى انتحال حسابات مشاهير والدخول في معارك بهذه الحسابات المزيفة، بدافع استشراء الحقد والكراهية والنزعة إلى تصفية الحسابات. أما آخر زيف في عالم تويتر فهو لفت النظر وزيادة عدد المتابعين من خلال إغراق الهاشتاق بالحسابات الوهمية. ويعمل هذا الإغراق عن طريق إطلاق هاشتاق معين لا أساس له من الصحة ولا منطق له، ثم يقوم مطلقه بتجييش حسابات وهمية أحدها يؤيد الفكرة، وآخر يضيف تعليقاً مدللاً على صحتها، ويعدّد غيره فوائد أو إيجابيات موضوع الهاشتاق، وهكذا حتى ينطلي هذا الزعم على مستخدمي تويتر. وتكمن خطورة هذه الفكرة الخبيثة في أنّها تعمل على تضليل الرأي العام مما يمهّد لسيادة ثقافة القطيع دون أن يعرف المستخدمون أنّ مَن أطلق الهاشتاق هو شخص واحد. وللحدّ من هذه الفوضى ابتدع مات هيلز، المؤسس المُشارك في منصّة التقييم الاجتماعية، نظاماً يدعى «بروكونلت – ProConIt»، وهو أداة لإدارة النقاشات الاجتماعية للإعلام الإلكتروني، تهدف إلى محاربة المتصيدين، وإصلاح تعليقات المستخدمين بعرض خيارات عدّة للتعديل وطرق الإدارة، كتوفير القابلية لتصفية الكلمات المُسيئة. ولكن الداعم الأكبر لهذه الآلية هو تحلي المغردين بالمسؤولية الأخلاقية فيما يدونون، فتويتر تطور طبيعي لعصر التدوين المبني على البلاغة والاختصار، ويجب أن يؤخذ على محمل الجد والتعاطي معه، واستخدامه بشكل جيد. ويجب ألا تُكثّف هذه ال 140 حرفاً بالغلّ والحقد والكراهية وتصفية الحسابات. يبدو أنّ حال المغردين ليس بأفضل من حال مجنون ليلى، قيس بن الملوّح، الذي قتله الحب حين عشق ليلى، التي ربا معها ثم حُجبت عنه حتى اشتد به البؤس وذهب عقله، فأتاه إخوانه يلومونه على ما صنع بنفسه فقال: ألا ما لِليلَى لا تُرَى عند مَضْجَعِي بليلٍ ولا يَجْرِي بذلكَ طائرُ بَلَىْ إنّ عُجْمَ للطيرَ تَجرِيِ إذا جَرَتْ بليلَى ولكنْ ليس الطير زاجزُ أزالَتْ عن العهد الذي كان بيننا بِذِي الأثْلِ أم قد غيَّرتْها المقادِرُ فواللهِ ما في القرب لي منكِ راحةٌ ولا البعدُ يُسْلِينِي ولا أنا صابرُ