يَحكِي لنا جَدُّ عَمَّةِ خَالتِنا «التارِيخ» بحكايةٍ غير مُثبتة أنَّ (سِنمار)، كان مُهندساً إما (رومياً)، أو (آرامياً نبطياً)، سَكَن مملكة «الحيرة» بأرضِ الرافدين، ونُسِبَ إليهِ تَشْيِيد قصر (الخَوَرْنَق) المحكيِّ عَنهُ. وأن المثل «جزاءُ سِنمار» قد ضُرب به، حيث إنه بعد انتهائِه من البناءِ أَسَرَّ متفاخراً لصاحبِ القصرِ الملك «النُّعمان» بأنَّ بين حِجارَة القصرِ «حَجَرَ زاوِيَةٍ» لا يَعلمُ موضعه سِواه، لو أُزِيل لتهدَّمَ القصرُ بكاملِه على ساكنيهِ، وأنَّه يستطيع بناءَ قصر أفضلَ مِنهُ، فما كان من «النُّعمَان» إلا أن ألقاهُ من أعلى قمةٍ بالقصر، كي يُدفَنَ بسرِّه، ولا يبنِي لغيرِه ما هو أفضل منه. وكما يُحكَى فإنَّ (الخَوَرْنَقَ) كان بديعَ الهندسة، عظيمَ القِبَابِ، عاليَ الأعمدة، ومن المحتملِ أن يكون حَجَرُ الزَّاوِيَة ذاك، ليس إلا مَجمَعاً لصخور القُبَّة الكبيرة، فمنطقياً أن يسقطَ القصرُ لو أُزِيحَ عن موضعِه. وفي عصرِنا هذا، يتعمد الفاعلون في بناء أسس الإدارة، والسياسة، والاقتصاد، والفكر دسَّ حجارتهم في زاوية متن البناء، حتى إذا ما أُزيحوا من أماكِنِهم، خلَّفُوا التَقْوِيضَ والدمارَ للكيان. وكم سمعنا عن عملياتِ اغتيال لكثير من الشخصياتِ المؤثِّرَة على مستوى العالم، وكأنهم (سنامِير)، حين لم يجد المهيمنون في حكوماتِهم بداً من التخلصِ منهم، طالما أنَّ ذلك التصرف، على بشاعتهِ، يحفظ الحَجَر الزاويَّ ثابتاً في موضعهِ، فلا تتهاوى السقوف والجدران. وفي مختلف المستويات الفاعلة يوجد (سنامير)، ممن لا يمكن رميُهم علناً من فوقِ أكوام المعاملاتِ، التي خبأوا فيها أسرار حجارتهم الزاويَّة، فتعمَد بعض الحكومات إلى التعامل معهُم بطريقةٍ أقلَّ وحشيةً ودمويَّةً، بتنحيتهم جانباً، وإشباع بطونهم، وأعينهم، وإبعادهم شيئاً فشيئاً عن مناطقِ الخطورةِ، فلا تقع منهم كوارث التخريب، على اعتبارِ أنهم يُصبحون جزءاً من نفسِ النسيج «الطلاسمي»، وتغدو لقمتهم وسعادتهم مرتبطةً بالكيانِ «الخَوَرْنَقيِّ». وهذا للأسف الشديد يصبحُ مجالَ فسادٍ عمِيمٍ لا تحيط به أعينُ النزاهة. كُل خلف يحاول أن يُرضيَ سلفَه، وأنَّ يُخرس فَمَهُ، حتى تثبُتَ حِجارة الزوايا في أماكنها، وكل (سنمارِ)، يملي شروطه التعجيزيَّة، ويغتصبُ ما ليس له، لمُجرَّد أنَّه الوحيد، الذي يعرف أينَ غُرِسَ حجر الزاوية. غش، وسرية، وانتهاكات، ومؤامرات تنتهي بالتصفياتِ المعنوية، أو الجسدية لتلافي دَكِّ صروحَ الأمن والنهضة. وليست الدول هي فقط من يُعاني من «المُسنمرين» فحتى على مستوى الأفرادِ، نجد من يلقى في حياتِه «سنماراً» يُجبَرُ على التعايشِ معهُ، مع شديد ما يبتليه به من الأضراِر، والضغوط النفسية والتهديد، والتلويح بتهديم قبةٍ تأويه. الفَطِنُ الحريص يَبنِي صرحهُ بنفسه، ويعمل على حمايةِ أحجار زواياه، وتأمينها ضد كل «سنمارٍ». و«النُعمان» العادل ينتقي بُنَاةَ نهضته، بحكمةٍ، وعدالةٍ، ووضوح، ويشارك الأغلبية في المسؤولياتِ، فلا عمل يحاكُ في الظلامِ، ولا إهمال، ولا تفرد، ولا غموض يسهِّل على الخونةِ دسَّ حجارتهم في الزوايا، فيستقِرُ السلطان، وتتَوَطَّنَ البلاد ويسلم العباد.