من حق الشيخ عيسى الغيث أن يرفع قضية على من يتهمه بالعلمانية؛ مثلما كان من حق الروائي إبراهيم شحبي أن يفعلها ويكسبها قبل سنوات. لكن المؤلم أنه لو تم رفع قضية على كل من يتهم الآخرين بالعلمانية، لكان نصف الوعاظ في السجن والنصف الآخر يعانون من البطالة والفاقة وانصراف الجمهور؛ إنها مسألة ثقافة وعظية شائعة تقوم وتزدهر على تشويه المختلف أياً كان وبما يتيسر من المصطلحات الغربية الرنانة التي يتفاعل معها الحواريون والمعجبون بفضيلة الشيخ أي شيخ وليست قضايا شخصية عابرة. قبل أن تشدكم قصة القاضي والمحتسب؛ عليكم أن تسألوا الوعاظ أولاً لماذا أشاعوا في الناس أن كل من يتحدث عن حقوق المرأة سواهم بالطبع هو علماني؟، ولماذا علَّموا طلبة المدارس أن كل من يكتب في صحيفة ويتحدث عن الهيئة وحقوق الإنسان هو علماني؟. اسألوهم أولاً لماذا حملوا كل هذا الكُره والعداوة تجاه أهلهم وأشقائهم المختلفين؟، ولماذا دغدغوا مشاعر البسطاء بتهم يلقونها جزافاً ولا يستطيعون إثباتها على أي أحد؛ حتى وصل شررها في النهاية إلى قاضٍ شرعي؟. قبل أن تؤيدوا أو تعارضوا الشيخ الغيث في دعواه تذكروا أن مصطلح العلمانية هو مصطلح وعظي بامتياز، مثله مثل الليبرالية والحداثة، وأن من يروج لهذه المصطلحات بين العامة هو الواعظ «الجماهيري» ولا أحد غيره. إنني لا ألوم الداود بقدر ما ألوم المدرسة التي لا عقل لها في إطلاق التهم. بالأمس كان الأديب وحده علمانياً وليبرالياً، وكان يتحمل وزر المدرسة دون مناصرين، واليوم تصل التهمة إلى القاضي أيضاً.