الآن حصحص الحق وجلا.. لمْ يعدْ يعاقَبُ كاتبٌ صادق بما كتبتْ يداه..ولا عاشقٌ بما ارْتكبه قلبه..ولا قوميّ على انتمائه لأرضه وأهله..ولا حتّى بعثيّ لمْ يزلْ متعفْلِقاً على أطفالِ شعْبِه ببقايا عنقوديات اتّحادٍ كان سوفيتّياّ..ولا ممانعون شهدَ لهمْ أستاذ لي في معهد أبها العلمي اسمه (محسن الحوراني) كان أحد القادة الميدانيين في الجولان سنة 1967 بأنهم أمروه وصحبه بالانسحاب وأعلنوا سقوط (القنيطرة) قبل سقوطها تمهيدا لدخول جيش إسرائيل..ولا متصهْينون استخدموا نفط العرب لتجميع قوميّيْ وممانعيْ وتحرّريّيْ فنادق لندن ونيويورك وباريس وحشرهم في قنوات وصحف ومجلات تدّعي تمثّيل جزيرتنا العربيّة، وتحاصرها من كلّ اتّجاهاتها..ولا (إخوان) زادتْ فِرَقُهم على ثلاث وسبعين فرقةً كل منها هي الفرقة الناّجية، كل ما دخلت إحداها الحكمَ لعنَتْ أختها، حتّى بتنا نحتاجُ إلى فقهٍ جديد للَّعان ونعيدُ ابْتهالاتنا لينتصرَ كلّ مناّ في مباهلته. فبين إخوان (لادِنيّين) من أهل السّنّة والجماعة، وبين أنواع من الجهاديّين يتكافرون حسبَ تقليعات القنوات والصحف، وبين ديموقراطيين لمْ يُخْلَقُوا صالحين لهذا المصطلح، ودكتاتوريين لمْ يحسنوا القِتْلَةَ في شعوبهم، ولبراليّين أعراب يكتفون من لبراليّتهم بالبراءة من ذويهم وأرضهم وأوطانهم ولا يستطيعون فيها فعْلا.. بين كل هذا أعلنُ ما كنتُ أخفيه: أنا عربيّ قوميّ، أحبّ أرضي وإن جارتْ عليّ، وأهليْ وإن ضَنّوا عليّ.. في هذه الأجواء العروبيّة، ينبري كتبةٌ كُتِبَتْ لهم أرزاقُهم عبر صحفٍ تصدُرُ جانبَ أحدِ آذانِ (جزيرتنا)، لتظهر عبقرياتهم القوميّة (الإخوانية) ال 74 لتفكيك الخطاب المتصهين لدى الكتاب العرب الخلّص في جزيرتهم!! فلهم ولنا وللتاريخ، سأجرّبُ في تفكيكيّتي هذه نبذة عن خطابنا في قلب العروبة هنا..علّهم يدركون أنّ علينا أن نبدأ تفكيك خطاباتنا باستقلال عن فكرة الإخوانيّة التي لمْ تنشأ لدينا -ذات زمن- سوى ضمن وسائل إمارات عربية كانت متصارعة وادّعى كل منها إخوانيّته حتى نجح منها ما نجح باسمها، ثمّ استُخدمتْ في أماكن أخرى يصارعُ فيها الإسلامُ غيره، وما لبثتْ هناك أن استحالتْ إلى مجرد خطابٍ سياسيّ رَكوبٍ مؤدّية إلى السّلطة كذلك..أما فكرة الصهيونية والتّصهين، فقد باتت لدى الباحثين العالميين مثارا للبحثِ عنها وعن مصدرها، وقد تكشف الأيام ما يقطعُ ويكشفُ زيفَ استخدامها. فنحنُ نؤمنُ بأنّ (إسرائيل) التي اعتبرت مهد صهيون والصهيَنَة ليستْ سوى آخر لعْبَةٍ وضعتها بريطانيا العظمى كقاعدة تبقى هنا بعد رحيلها. إذ استطاعتْ جمع من جمعتهم من أوربا والعالم ممّنْ يتسمّون يهودا، ويحملون بقايا من أساطير تاريخية لأمّة كانت تسمى إسرائيل، وزجّتْ بهم في هذا المكان، وبنتْ لهم تاريخا وحدّدت لهم مكانا هو فلسطين. وليس هناك من لا يعرفُ المراجعات التاريخية التي يزخر بها العالم اليوم حول حقيقة إسرائيل ومكانها، والبحث عن (صهيون) وحقيقته ومكانه، وهل عُرِفَا فعلا؟ وسواء كانتْ إسرائيل مجرد قبيلة عربيّة أُطْلِقَ عليها أمّة من باب (إنّ إبراهيم كان أمّة) وكان صهيون يقع في فلسطين أو في جزيرة العرب، فإنّ فكرة (بني إسرائيل) تساوي فكرة (طسم وجديس وعاد وثمود)، وسيثبت التاريخ بأن الصراع العربي الإسرائيلي ليس سوى صنعة تنتهي بانتهاء منفعة هذه (القاعدة – إسرائيل) لواضعيها وصانعيها. وبعد هذا الإيضاح الضروري لكتّاب تفكيك الخطاب المتصهين الذين رشّحوا كتاّبنا وأبناءنا في قلب جزيرة العرب للتّصهين، كيْ يجدوا ما يرضيْ صحفهم التي تفكِّكُ الخطابَ المتصهين من تحت بقايا قواعد مَنْ خلقَ فكرة الصهيونية والتصهين، بعد هذا الإيضاح عن جوهر التاريخ، أتمنى من أحبتنا وأبنائنا من أولئك الكتاّب أنْ يعوا بأنّ الإخوانيّة والصهيونية والسلفية والأشعرية والتشيّع والقومية وغيرها من المصطلحات لم تعدْ تنطليْ على العربيّ الذي كان ينعى نفسه بأنه صاحب (اقرأ) الذي لا يقرأ، وأنه اليوم يتعدّى مرحلة القرائية إلى الفقه الجديد بجميع جوانبه السياسية والفلسفية والنّفعية، وأنّ زمن قنوات وصحف المنابحة صار مجرد كاريكاتور يراه ضاحكا.. وعندما يقارنُ كاتب في هذه الصحيفة سلوك قَتَلَة الشعب السوريّ بإسرائيل، ويتساءلُ: هل نعتذرُ لإسرائيل، فإنّ القراءة السّوية لمقاله لا تعني تبرئة إسرائيل كمحتل وقاتل، بل تكرسُ قياسيّتها في ذلك، ومن لمْ يفهمْ هذا فعليه إعادة الدراسة من جديد إذا كان مؤهله مزوّرا في زمن الدّكترة المزوّرة، ومن المضحك أن يستخدم كاتب تلك المقالة تحت بند ( الخطاب المتصهين)! كما أن من المضحك جدا أن يكون من أبنائنا في قلب جزيرتنا في فكره من يشبه مشجعي كرة القدم الذين ينفجرون حماسا لريال مدريد أو جوفنتس، كلما صعدَ حزبٌ إلى الحكم على كتف الدين والأيديولوجيا صفقوا ودافعوا وانتموا دون علاقة لهذه الآيديولوجية بمكانها! وما دامت الأدلجة ضرورة لدغدغة مشاعر العامة والشعوب للوصول إلى أهداف السلطة، فعلى الشعوب انتزاع أدلجتها من قلبها، خصوصا بعد أن أثبت التاريخ فشل التطبيق لكل نظرية لا تنشأ في أرضها وقومها، وقد طبّقَ القوم في مصر والشام والعراق كل هذه النظريات ووصلوا اليوم إلى تجربة ما يعيشه أبناء جزيرة العرب بكل أقطارها منذ قرون، وقد ينجحون أو يفشلون بسبب تعدد القوميات، وليس على من يبحثُ عن كتابةٍ من كَتَبَتِنا سوى استقراء التاريخ، وقد يفهمون بأنّ فكرة (الأَخْوَنَة) غير قابلة لفكرة الخلافة، بدليل أن أقطارنا التي «استَخْوَجَتْ» رفعتْ شعار الديمقراطية الذي يختلف عن تاريخ الخلافة.. وعليهم أن يدركوا بأنّ التّصَهْيُنَ باتَ فكرةً مثل فكرة البعثية والاشتراكية وغيرهما من الشعارات البائدة، وألاّ يتعاونَ أحدٌ منْ صهايننا مع بقايا صهيونية باتت على شفا أنْ تبيدْ..