لم أتحمس كثيراً لقراءة رواية «ربع غرام» عند صدورها قبل سنوات، فرغم الصخب الذي رافقها والحفاوة التي حظيت بها لم أشعر بالحماسة لرواية يكتبها مؤلف مجهول في ذلك الوقت اسمه «عصام يوسف»، وتتحدث عن موضوع مستهلك ومباشر هو «الإدمان»، وتدعي كذلك أن أحداث القصة واقعية!. لا شك أنها ستكون رواية وعظية أو ذات أحداث مسطحة خالية من الإتقان والعمق ولا تخلو من اختلالات الأسلوب واللغة. ولكنني كالعادة كنت مخطئاً، فلقد دحضت الرواية كل تصوراتي المسبقة وأثبتت أنها دليل حي على أن أهم ما في الأدب صدقه وعفويته، وأن كل شيء يمكن أن يأتي لاحقاً لذلك، بعض المتطلبات الفنية موجودة بالفعل، وبعضها لم يحضر، ولعل الغائب الأكبر هنا كان اللغة السليمة، فكل الرواية تقريباً كتبت باللغة العامية المصرية، وتقسيم الكتاب جاء أقرب إلى السيناريو منه إلى الرواية. كل شيء من وجهة النظر النقدية الصارمة يوحي بعمل متعثر وغير موفق بالمقاييس التقليدية للأدب، لكن المؤلف نجح رغم ذلك في إعادة الاعتبار للسرد العفوي ولقوة الفكرة، وروح العمل حتى إن بدا الأسلوب مرتبكاً في بعض الأوقات. تحكي الرواية بصراحة شديدة قصة شلة من الصحاب، ورحلتهم مع الإدمان، تدور أجواء الرواية في مصر الثمانينيات وتعاصر بداية الانفتاح وأثره على أسر الشباب الذين لم يكن المال ليشكل عائقاً أمام جموحهم ومرحهم الذي بدا آمناً وبريئاً حتى أحضر أحدهم (ربع غرام) من المخدر في إحدى سهراتهم لتبدأ خيوط المأساة تتشكل ببطء لكن بإحكام خانق أيضاً. ولعل أجمل ما يميز الرواية تجسيدها لعوالم المدمنين ومعاناتهم بواقعية وصدق بعيداً عن تهويلات سينما الثمانينيات الغبية التي صورت المدمن كشخص أقرب للمعتوه. فهنا نشاهد المدمن الحقيقي، وكيف تنزلق شخصيته في منعطف معقد من الرغبات المتناقضة وفقدانه السيطرة على غرائزه وتشتته المرعب بين ما يريد، وما لا يريد، وإنكاره طوال الوقت أنه مدمن! تبلغ القصة مرحلة الذروة عدة مرات خلال العمل، وفي كل مرة تعتقد أن العمل قد شارف النهاية لكنه لا يفعل.. بل تعود الدائرة الجهنمية لتنغلق من جديد وتمتد فصولاً مؤلمة أخرى، لأنها ببساطة قصة واقعية وليست عملاً خيالياً وتمردها على التسلسل المألوف في السرد نقطة تحسب لها وتبرز بوضوح مدى تعقيد وتشابك عالم الإدمان وشخصية المدمن الذي يتأرجح طوال الوقت بين موقف الضحية والجان من ناحية، وبين الغباء والعبقرية من ناحية أخرى. إلا أن خاتمة الرواية المؤثرة نجحت في جبر ثقل تعدد الذروات وتكرار الأحداث خلال صفحاتها الكثيرة.. كما لم يخل العمل من روح فكاهية مرحة نجح المؤلف من خلالها في نقل روح الشباب المتوهجة عبر صفحات عمله البديع سواء كنت ممن يحبون القراءة ويبحثون عن عمل ذي نكهة مختلفة أو ممن لا يحبون القراءة كثيراً وتخشى أن تصاب بالملل، في كلتا الحالتين ستجد رواية (ربع غرام) عملاً ممتعاً يستحق القراءة.