«وبالتالي اختفى والدي من حياتي في الوقت الذي بدأت أتعرف عليه فيه». هكذا تبدأ أحداث حياة الشاب البريطاني «إيفور ويلوقبي»، الذي فقد أباه الجندي في الجيش البريطاني بعدما ترك عائلته وذهب للجزيرة العربية في ثلاثينيات القرن الميلادي الماضي. غلاف “سيدة أبها” وعلى لسان ويلوقبي، يبدأ الروائي «ويليام نيوتن» بسرد رحلة إلى الجزيرة العربية، وإلى منطقة «عسير» تحديداً، فيقول «وفي وقت كتابة هذه القصة كانت عسير مخفية كثيراً عن العالم، ولم يكن هناك أي سجل قد تم تركه من الرحالة، كما لم يقم أي من المستكشفين المشهورين للجزيرة العربية بالتوغل في هذا الإقليم»، عبر «سيدة أبها» الصادرة ترجمتها عن دار بلاد العرب للنشر والترجمة في العام الحالي. قبل توحيدها تدور أحداث الرواية في فترة ما قبل توحيد المملكة العربية السعودية بقليل، وتركز أكثر على فترة توحيدها، حيث تتاح الظروف ل»ويلوقبي»، الذي درس اللغة العربية استعداداً لليوم الذي يذهب فيه إلى الجزيرة العربية بحثاً عن مصير أبيه، حيث لم يكن يعرف حينها أن حبه للقبائل العربية سيغدو أكبر من حبه لموطنه وعائلته الصغيرة في بريطانيا. وما بين الحجاز وعسير، وتحديداً «أبها»، ينقل «نيوتن» معلومات تاريخية مهمة في تاريخ المملكة، وإن كانت موجهة أساساً للقارئ الغربي، حيث يقول «المدهش حقاً أن يكون هذا المنعطف التاريخي غير معروف جيداً في الغرب»، إلا أنها قد تهم القارئ العربي، لاسيما السعودي الذي يقرأ عن تاريخ بلاده من وجهة نظر أجنبية». نسيج أبها «كانت تلك اللحظة الساحرة التي انتظرتها، منظر المدينة التي عاشت في خيالي لمدة طويلة على ما أذكر…». هذا ما كتبه ويلوقبي عن أبها قبل أن يتعرف على رحلة الكشف عن مصير أبيه وإنها ليست بهذه السهولة، وإن كان قد عانى كثيراً من أجل الوصول إلى أبها، خاصة وأن سكانها «الحاليين يختلسون النظر إلى ماضيهم، ويبدو الأمر وكأنهم ينظرون إلى نسيجهم الشخصي الخاص، خلصت إلى أن كل ذلك ربما يكون بسبب المحافظين، يبدو أنهم قد وضعوا نهاية للتاريخ القبلي، لقد فعلوا شيئاً مخيفاً، لقد جلبوا الأمن والسلام…». وبينما كان يبحث ويلوقبي عن أبيه، وفي أثناء صراعه حول ما إذا كان أبوه الذي رحل بعيداً تاركاً خلفه «لافندر» زوجته، وابنه «ويلوقبي»، ووالدته، يستحق هذا الحب، وعما إذا كان سيجده حياً وصار شيخاً كبيراً، وماذا لو وجده ميتاً، المهم أن يعرف مصيره، كان يبحث أيضاً عن شخصيات أخرى قد ترشده إلى مكان والده، حيث تنقله كل شخصية إلى أحداث جديدة، أحياناً تقربه منه، وتبعده عنه حيناً، ولم تكن تعرف تلك الشخصيات عن مصير أبيه شيئاً، أو ربما لم ترد أن تعترف، وأخيراً تأخذه تلك الأحداث إلى امرأة، ورسائل غير مرسلة تكشف له عن مصير أبيه الذي حمله مسؤولية جديدة. المؤسس يتحدث نيوتن عن قبائل عدة، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين في تلك الحقبة من الزمن، وعن كيفية ظهورهم في الجزيرة العربية، وفي الصفحات الأخيرة من كتابه يتحدث عن المغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، فيقول «إن عبدالعزيز بن سعود جدير بأن يستحق مكانته كواحد من أعظم الرجال في التاريخ، فهو الفريد العظيم بالنسبة لعصره، لقد عاش حتى بلغ سن الثالثة والسبعين من عمره، وأنجب ذرية لا حصر لها من البنين والبنات، لقد كان هو الذي منح أول امتياز للتنقيب عن النفط، ثم أصبح في حزن عميق بسبب التغييرات التي تلت عندما جلب الثراء الضخم والمفاجئ معه دماراً للتقاليد والعادات العربية القديمة..».