أحد ملوك إنجلترا في القرن السابع عشر يقول لشقيقه: أنت الضمان الأعظم لعدم اغتيالي.. فلا أحد سوف يفكر في قتلي مادام خليفتي هو أنت، وكان أخوه أحمق شرساً. وعبدالناصر يستخدم الأسلوب ذاته، فالرجل -ناصر- حين يقدم استقالته بعد ضربة 1967 كان يحرص على أن يقدم للناس خليفة له لا يقبل به أحد.. وعبدالناصر يقدم (فلاناً) والناس يرفضونه والمظاهرات تخرج تطالب ناصر بالبقاء، لكن ذكاء ناصر لم يكن يحتاج إلى المناورة ليعرف شيئين: الأول منهما هو أن المظاهرات التي خرجت تطالب ببقائه كانت مصنوعة والعالم يعرف أنها مصنوعة، والآخر أنه لابد من مظاهرة صادقة تطالب ببقائه، وناصر يهبط الخرطوم لمؤتمر القمة ومظاهرات الخرطوم تستقبله، والمشهد توجزه صحف لندن التي تقول (عبدالناصر المهزوم يلقى في الخرطوم استقبال الفاتحين)، والخرطوم تجمع ناصر والملك فيصل وتغسل ما كان بينهما، وتجمع الآخرين وتنتج لاءات الخرطوم الثلاثة الشهيرة، والسوداني يعرف متى وكيف يقول ماذا. والسوداني.. والحديث عنه الآن.. ما يأتي بهذا وهذا هو دمدمات صغيرة يتبادلها بعض القراء في ذيل حديثنا أمس الأول، الذي كان حديثاً عن الوحدة وقلم هنا وقلم هناك كلاهما ضعيف الثقافة ينحرف بالحديث ليجعله حديثاً عن سودانيين في المملكة، ويحدث وكأنه يمنّ على السودانيين باستخدام المملكة لهم، وآخر من السودانيين يجيب وكأنه يمنّ على المملكة بالخبرة السودانية، والقول هناك والرد هنا كلاهما يأتي كما يبدو من أقلام لا تفقه الرياضيات الاجتماعية وسراديب النفوس، ونكتب لأن ذرة من الرمال تفسد العين.. ونكتب رغم أن بعض القراء يقدمون ردوداً تتميز بالوعي السوداني والسعودي الكثيف. وأول أيام الإنقاذ الدكتور الطيب إبراهيم عضو مجلس الثورة يومئذ حين يسأل جليسه السعودي عن السوداني كيف هو؟ يجيب السعودي إجابة عبقرية. قال: السوداني -طال عمرك- مثل الكولا.. حلو لكن لا ترُجّه (من الرج والارتجاج). والمعروف أن زجاجة الكولا إن ذهبتَ ترجّها فارت وتدفقت. ويا أيها السوداني الحلو في السعودية، نحن نفخر بك حين نجد أن ملفات الشرطة السعودية لا تكاد تسجل جريمة لسوداني.