«التقدم لمتر واحد يعني تلقينا وابلاً من الرصاص لن يترك أيَّاً منّا حيَّاً» كانت نبرة هذه الكلمات صارمة لدرجة جعلتنا جميعاً نتوقف عن الكلام، فقط تنقلت أعيننا بين الصياد مسعود عبد الرازق وهو يطفئ محرك الزورق الصغير والبوارج الحربية الإسرائيلية التي كانت تراقبنا هي الأخرى. كنا نعلم أن أميالاً محددة تفصلنا عن ميناء أسدود شمال بحر قطاع غزة، وهو حدٌ من الصعب على الصيادين الفلسطينيين التجرؤ على الوصول إليه إلا لو تحصنوا بحقهم الذي يبحثون عنه، وبعشرات الصحفيين والكاميرات الفوتوغرافية والتليفزيونية التي لم تترك ثانية من تفاصيل المشهد دون توثيق . الأعلام الفلسطينية التي كانت تغص بها الزوارق المشاركة في «التظاهرة البحرية» خرجت عن صمتها، لتعود الهتافات تداعب من جديد أمواج البحر، نساء وأطفالاً وصيادين ومتضامنين وصحفيين، انشغلوا جميعاً في الهتاف والغناء والمناداة على زوارق سرقها الاحتلال من أصحابها عنوة ولم يُعدْها إليهم. آلام جرحه الذي لم يشفَ بعد لم تمنع الصياد «بكر» من المشاركة في المسيرة، فهناك حيث يغيب ميناء أسدود خلف قباب الموج، يقف زورقه «الأسير» المصادر من بحرية الاحتلال بعد أن أطلقت عليه الرصاص بشكل مباشر فأصابته برصاصة في بطنه. بكر الذي مازال يذكر أحداث ذلك اليوم وكأنه عاشه قبل لحظات وصفه ل «الشرق» بقوله: «بعد التهدئة الأخيرة سمح الاحتلال للصيادين الغزيين بالدخول مسافة ستة أميال بحرية ووضعوا علامات لعدم تجاوزها، وأثناء ممارستي الصيد هاجمني زورقان إحداهما حاول إغراقي عبر اصطناع موجات ضخمة بالقرب من قاربي، وخلال هروبي منهما أصابني قناصٌ في بطني وأخذوني أسيراً أنا والقارب» وتابع: «أطلقوا سراحي بعد إسعافي في معبر بيت حانون، ولكنهم أبقوا على القارب أسيراً لديهم وأنا اليوم عاطل منذ أشهر عن العمل وأعيش وأطفالي السبعة وزوجتي وأمي على تلقي المساعدات والديون». وتذكر الإحصائيات الفلسطينية أن البحرية الإسرائيلية صادرت 18 قارباً فلسطينياً منذ نهاية الحرب الأخيرة كما تم اعتقال 36 صياداً أُفرِج عنهم بعد أيام من اعتقالهم، وهي الأرقام التي أكدها محمد البكري مدير عام اتحاد لجان العمل الزراعي الجهة القائمة على تنظيم التظاهرة البحرية، مشيراً إلى تزايد المخاطر على حياة الصيادين نتيجة سياسة إسرائيل المتواصلة في استهدافهم بشكل مباشر. ونفى البكري بالمطلق، في تصريحاته ل «الشرق»، التزام إسرائيل بالسماح للصيادين بالإبحار لمسافة الستة أميال، وقال: «المظاهرة جاءت لكشف تزوير الحقائق في الإعلام الإسرائيلي بوجود تسهيلات للصيادين». «جئت أناصر الأسرى في وسط البحر» كانت نهى أبو حصيرة منفعلة وهي تتحدث عن سبب مشاركتها في مظاهرة الصيادين الغزيين المطالبين بعودة مراكبهم المسروقة من جيش الاحتلال، واصلت رفع العلم الفلسطيني الذي تحمله في يدها وهي تضيف: «الأسرى يموتون جوعاً ووجعاً وقهراً من ذل السجان لذا علينا كمتضامنين أن نكون حاضرين في كل الفعاليات وأن نطالب بنصرتهم، فالأسير يستصرخ بدون مجيب». أبو حصيرة كانت تحتفظ بالمزيد من المفاجآت فإلى جانب مشاركتها اليومية في خيمة التضامن مع الأسرى المقامة أمام مقر المفوض العام لحقوق الإنسان وسط غزة، بدأت منذ عشرة أيام إضراباً عن الطعام لم يمنعها من ركوب البحر بحثاً عن شكل آخر من أشكال التضامن مع الأسرى. مراسل الشرق الزميل سلطان ناصر يرفع علم فلسطين لافتة تدعو إلى وقف القرصنة الإسرائيلية الصيادون تظاهروا في البحر بحثاً عن الزوارق الصيادون يرفضون الإجراءات الإسرائيلية ضدهم (الشرق) فتاة غزِّيَّة وصبي يشاركان في الاحتجاج أعلام فلسطين ارتفعت في البحر اعتراضاً على تصرفات الاحتلال