الكتاب: ذاكرة الفواجع المنسية المؤلف: محمد بن ربيع الغامدي الناشر: خميسية الموكلي ودار أروقة ذاكرة الفواجع المنسية يقول المؤلف «الحكايات الشعبية كنا نستمع إليها بشغف، وكانت مهيبة، ولرواتها الهيبة ذاتها التي تجلل حكاياتهم، وهم من كبار السن المولعين بترديد الحكاية الواحدة مرات عدة، وربما يتخصص الواحد منهم في حكاية بعينها. وكانت الباحة آنذاك ريفاً حقيقياً، وكانت الأمثال العامية والحكايات والأشعار الشعبية تمشي معنا جنباً إلى جنب، في المساريب، وفي المجالس، وفي الحقول المسقوية والعثرية، في المرعى والمفلى، وحتى في العمل، وفي كل مكان، وقريتي كانت حافلة برجالها الذين تقدمت بهم السن فزادتهم حكمة، وزادتهم تواضعاً، فما كان أحب للواحد منهم من سؤال تسأله، فيبحث عن إجابته في أضابير تجاريبه، كانوا جلسائي معظم الوقت، ورفاقي كل خميس، عندما أحملهم معي في سيارتي الداتسون فنأخذ طريقنا سوياً إلى سوق الباحة الأسبوعي نتبضع منه حاجاتنا. في فترة تالية، قرر لي تعليم الباحة محاضرة حول الموروث الشعبي وطرائق مسرحته، ضمن محاضرات الدورة التي كانت تقيمها لصقل المشرفين على المسرح المدرسي، ما منحني فرصة أفضل لمراقبة الموروث الشعبي ورصده وتدوينه وتصنيفه، فتعرفت خلالها على جوانب أخرى للموروث الشعبي، وعرفت أيضاً وسائل لم أكن أعرفها في حفظ الموروث وتوثيقه، فتكونت عندي تبعاً لذلك مكتبتان: الأولى تضم الكتب التي تبحث في تاريخ الباحة وموروثاتها الشعبية، والموروث الشعبي بصفة عامة ونظرياته ومناهج دراسته ووسائل توثيقه، والثانية تضم أوعية فيها كل ما يصلني من نصوص الموروث الشعبي، من مدونات، أو تسجيلات، أو تصاوير، وما هذه الحكايات إلا بعض ما حفظته أوعيتي تلك التي اخترت منها أربع عشرة حكاية في ثلاث مجموعات: الأماكن (جبل قاف، جبل نصران، جبال الثور، اللومة الذهبية)، الناس (أبوقطنة، وادي شباعة، حوتان، بسيس عمار، ديرة بني كلب، شعرة الجعير، يا خالي المخلخلة)، السعالي (البنت السعلية، الرفيقات الثلاث، جمبح جمبح جلاجل)، ثم ألحقتُ بها سيرتين شعبيتين هما: سيرة رأس الغول، وسيرة فتوح وادي السيسبان، وأفردت حيزاً للنصوص مفرغة من أشرطة تسجيل بلهجات رواتها الأصليين».