وأحداث وأحاديث السياسة السودانية المعقدة نطاردها وتطاردنا منذ سنوات طويلة، والكاروري (محمد محمد صالح) الذي كان يرافق الإمام الهادي.. والنميري يضرب الجزيرة أبا أول السبعينات بالطائرات.. يقص علينا كيف قتل الإمام الهادي. وأحداث 1976 ودار الهاتف يقصها علينا دكتور غازي الذي كان أحد المحاصرين يومئذ.. والذي تمكّن من الخروج إلى طرقات الخرطوم وتمكّن من العودة إلى المحاصرين ليعيش أو يموت معهم! وانشقاق الحركة الإسلامية وإبعاد الترابي، حكاية يقصها علينا الرئيس البشير بعد حدوثها بشهر. ومرافق الشيخ الترابي في رحلته إلى أمريكا ثم كندا .. حيث يصاب بضربة من خبير الكاراتيه هاشم بدر الدين (الآن من جنود سلفاكير) يقص علينا كيف أن الشيخ بأمريكا يدخل عليه صديق أمريكي ليقول له: «احذر فالمخابرات الأمريكية التي تسعى للقيام بقتلك ستتجنب القيام بهذا على الأرض الأمريكية! ودعوة سوف تصل إليك من كندا فلا تستجب..!» وأحداث وأحاديث نستمع إليها من أهلها مباشرة ثم نقرأ بعدها ما يكتبه التاريح والصحف عن الحدث ذاته ونصاب بالقلق للاختلاف الهائل الذي نجده! وهيكل «الضخم» يحدّث عن مقتل الإمام الهادي ويخطئ.. إلى درجة تجعل أسرة الإمام الهادي تتجه الآن إلى مقاضاته ومقاضاة قناة الجزيرة.. والسيد الكاروري في روايته لنا يوجز مقتل الإمام الهادي بأنه كان (قريباً من مدينة الكرمك الحدودية، الإمام الهادي وخاله وأنا وآخرون تدركنا عربات من الكرمك يقودها الضابط الإداري فلان، وكان شيوعياً معروفاً، ومعه عدد من الجنود.. والجنود يقتادون الإمام خلف صخرة والضابط الإداري معهم ونحن نرقد بأيد وأقدام مقيدة ونسمع طلقات رصاص!». «بعدها الكتابات تتحدث عن اتصال بين الضابط الإداري هذا وبين أسماء معينة في مجلس قيادة الثورة، وهؤلاء يأمرون الضابط بإعدام الهادي!». ورواية البشير لنا عن الانشقاق تعيد الأحداث روايتها! ونقرأ الكتابات هذه ونصاب بالقلق لما نجد من التزييف والدعاوى! ومطاردة الأحداث والكتابات لعشرين سنة تجعلنا نوقن أن الكاذب الأول في التاريخ هم المؤرخون! وتجعلنا نجزم أن أعظم عبقرية ظهرت في التاريخ هي عبقرية رواة الحديث النبوي الذين يبتكرون أسلوباً في النقد والإسناد، يحمي الحديث النبوي من كل عواصف التاريخ! أيها التاريخ الإسلامي: كم أنت عبقري! والناس حين يسخرون من بعض روايات الإمام الطبري التي تجعل كثيرين من غير العرب يتحدثون العربية، يفاجأون بما نحدّث عن الأيام الماضية، من أن العربية كانت هي أوسع لغات الأرض.. وأنها تسود ما بين الحميرية هنا والهيروغليفية هناك. والطبري يقول إن فرعون مصر كان اسمه (الريان بن الوليد) والناس يضحكون والبحوث اللغوية الجديدة تشهد للطبري وتضحك على الآخرين!