عرعر – عبدالله الخدير الشرق قامت بجولة في إسكان الوليد بن طلال ورصدت معاناتهم «العوز والجهل والمرض إذا اجتمعت ماتت في النفوس الأشياء الجميلة»، جملة لا يدرك معناها إلا من ذاق مرارة عيشها، كما هو حال حوالي مائتي أسرة، يعيشون في إسكان الوليد بن طلال الخيرية في مدينة عرعر، فتوفير السكن لم ينه معاناتهم رغم أنه ساهم في حل جزء كبير منها، كما أن هناك دورا حكوميا كبيراً قد لا يكون موجوداً في مكان آخر، تمثل في توفير هذه المساكن الخيرية وما يقدمه الضمان الاجتماعي من رواتب شهرية، وبرامج مساعدات متنوعة تتناسب مع حجم كل أسرة. لكن هذا لم يكن كافياً، فالمشكلة متفاقمة وتحتاج إلى حلول جذرية . أموات بين الأحياء لن يكون هناك تعبير أو وصف للبؤس أدق من مشاهدة وضع أسرة عنود مسطو «أم فيصل» التي لم تجد عملاً ولا دخلاً يساعدها بعد تعرض زوجها المواطن دخيل فريج البناقي بجلطة دماغية قبل سبع سنوات، أفقدته الذاكرة والنطق، وعدم ضبط تصرفاته، وأصبح يشكل خطراً على نفسه وعلى من حوله ليصبح الحمل ثقيلاً على هذه السيدة الخمسينية فأصبحت تنطلق كل يوم بصحبتها أبناؤها، تجمع الحديد والخردة من بين الأنقاض؛ لتبيعها وتعود في المساء، وهي تحمل في أحسن أحوالها ثلاثين ريالاً قيمة ما تم بيعه. واستمرت على هذه الحال قرابة أربع سنوات، وهي تحمل الهم، وتضحي بكل شيء في سبيل ألا يبيت أبناؤها جياعاً وهذا مطمعها. سرطان في «المبايض» ولكن يبدو أن الزمن أخذ على عاتقه أن تكون قسوته قدراً لهذه السيدة بعد أن نقلت ذات يوم إلى المستشفى ليخبرها الأطباء بأنها مصابة بمرض السرطان في «المبايض» إلا أن إصرارها على الحياة ليس من أجل نفسها، بل من أجل أطفالها جعلها تكابد المرض وتقاوم الظروف . ففي الوقت الذي كانت تخشى على أبنائها من المجهول كانت تستمد قوتها من نظرة الحزن التي تشاهدها في عيون أطفالها، وكأن لسان حالها يقول: ولكن خلفي صبية قد تركتهم، إن عشت عاشوا وإن مت ماتوا. غيبوبة تامة وبقيت ثلاث سنوات أخرى في هموم قد لا يتحملها كثير من الرجال إلى أن تمكن السرطان من جميع جسمها، وهي الآن منذ عدة أيام في غيبوبة تامة في العناية المركزة بمستشفى الأمير عبدالعزيز بن مساعد في عرعر. قسوة أهل وذكر ل «الشرق» الابن الأكبر فيصل البالغ من العمر عشرين عاماً أنه لا يوجد بين أفراد أسرتهم موظف، ولم نجد من يقف معنا سوى جارتنا «أم بشير» تلك المرأة الفقيرة المتعففة، فقاسمتنا ما تأكل وما تشرب مثلما قاسمتنا دخلها الوحيد، وهو ما تتقاضاه من الضمان الاجتماعي، وتنفق منه على بناتها فالكل تخلى عنا. وأكدت ل «الشرق السيدة» «أم بشير» إحدى جيرانهم منذ خمس سنوات أن أقاربهم تخلوا عنهم، ولم تمتد إليهم أيدي محبي الخير ممن حولهم، رغم ظروفهم القاسية التي تخلى فيها كثير من أقاربهم عنهم، وقد أن هناك من أبناء عمومتهم من كان يضرب أطفالهم، ويقوم بتعذيبهم. ظلم وتعذيب ويذكر فريج أحد أبناء دخيل أنه كان يتعرض للتعذيب من أحد أبناء عمه لدرجة أنه قام في إحدى المرات بتسخين الماء يريد أن يضع أيدينا فيه. ويذكر أنهم كانوا يرغبون في زيارة والدتهم حينما كانت منومة في أحد مستشفيات الرياض، وتبرع أحد فاعلي الخير بخروف ليقوموا ببيعه؛ وليتمكنوا من السفر إلى الرياض لزيارة والدتهم فأخذ الخروف وقدمه لوالد زوجته. ويذكر أن أحد فاعلي الخير أحضر لنا مبلغ 2900 ريال لنشتري بها ملابس، فقام ابن عمي بأخذ المبلغ بحجة أنه سيشترى لنا ملابس، وغاب ولم نشاهده حتى الآن. معاناة العنزي وبدأت معاناة عادل مرضي العنزي الذي يبلغ من العمر 36 عاماً، ويعول زوجته وأبناءه الخمسة قبل عشر سنوات بعد إصابته بمرض وراثي هو خلل في الغدة الدرقية نتج عنه زيادة مستمرة في الوزن؛ ليتحول إلى كتلة من الشحوم، وبلغ وزنه 180 كجم وتصعب عليه الحركة، وتضاعفت معه الحالة وتسببت له السمنة في أمراض لم يستطع الأطباء عمل التحاليل لها لعدم قدرتهم على إظهار العروق في جسمه بسبب زيادة الوزن، كما تسببت له السمنة في الدسك الذي لم يتمكن الأطباء من عمل الأشعة اللازمة؛ لأنه لا يستطيع دخول الجهاز الخاص بالأشعة بسبب كثافة جسمه الزائدة. وأصبح لا يستطيع النوم أكثر من ساعة متواصلة بسبب حالات الاختناق وضيق التنفس الذي يأتيه أثناء نومه، والآلام التي يعانيها، إلى أن تم تحويله إلى عيادة المخ والأعصاب وأصبح تصرف له أبر مهدئة، لمقاومة الآلام التي لم يعد له قدرة على احتمالها. ونصح بأن العلاج الوحيد هو إجراء عملية تغيير مسار، التي رفض الدكتور المختص إجراءها له في عرعر لقلة نسبة نجاحها الذي لا يتجاوز 5% لعدم توفر الإمكانيات والأجهزة اللازمة، ورأى أن يقوم بإجرائها في أحد مستشفيات الرياض. طلاق وفصل ومع تزايد الحالة أصبح العنزي انفعالياً لا يستطيع السيطرة على أعصابه حتى مع زوجته وأطفاله ينفعل ويثور عليهم لأتفه الأسباب إلى أن وقع الطلاق بينه وبين زوجته، وتفرق شمل الأسرة مدة ثلاث سنوات. وبسبب هذا المرض انقطع عن العمل فتم فصله من عمله في شرطة منطقة الحدود الشمالية لتجاوزه المدة النظامية في الغياب، ليفقد بذلك الدخل الوحيد الذي كان يجده. فحاول أن يؤمن لقمة عيش شريفة لأبنائه من خلال عمله سائق مشاوير على سيارته الخاصة، لكن هذا الأمر لم يرق لأصحاب تكاسي الأجرة، فباتوا يضايقونه فهو في نظرهم مخالف، وأصبحت المخالفات المرورية من نصيبه. تغيير مسار واضطر عادل لترك السكن مع عائلته بعد أن كان يعيش في غرفة تجمعه هو وزوجته، وأبناءه الخمسة بسبب بعض المشكلات التي كانت تحدث بين أبنائه وشقيقه الأصغر، فقام أحد الأشخاص الذين تم منحهم منزلا من إسكان الوليد بإعطائه المنزل على وعد بتسجيل التنازل رسمياً تعاطفاً مع حالة عادل، ولم يتنازل عنه رسمياً حتى الآن. وأصبح مهددا بالطرد من المنزل في أية لحظة. ويبحث عادل عن فاعل خير يتكفل بإجراء عملية تغيير مسار له، ومساعدته في شراء سرير طبي حيث إن الأسرة العادية لا تتحمل وزن عادل، وتسجيل هذا المنزل باسمه رسمياً ليضمن مكانا يأوي أبنائه إليه. مأساة منوة ولم تجد منوة الحازمي مكانا يؤويها بعد أن طلقها زوجها سوى غرفة سقفها من الصفيح، ووضع في زاويتها ما يشبه المطبخ، وقد قام ببنائها بعض فاعلي الخير بعد أن اقتطعت لها شقيقتها جزءا من المنزل الذي تسكن فيه. وتسرد منوة تفاصيل معاناتها قائلة « بعد أن تعرض شقيقي «مصلح» 33 عاماً إلى حادث مروري تسبب له باعاقة تامة عن الحركة، وتقوس وتشوه في الضلوع وانفصام في الشخصية، ولم يجد من يؤويه بعد أن رفضه إخوانه وأخواته وزوجته «العربية» التي تركته لتعود إلى بلادها تاركة أطفالها الذين لم يتجاوز عمر أصغرهم ثمانية أعوام، ولم أجد بداً من أن أحضره هو وأطفاله عندي، الأمر الذي لم يرض زوجي فكان يضربني تارة، ويسبني تارة أخرى، إلى أن وصل به الأمر لتخييري ما بين البقاء على ذمته إذا تركت شقيقي أو الطلاق فلم يترك لي خيارا، فآثرت الطلاق والتضحية بحياتي من أجل شقيقي، وبالفعل تم تطليقي، فخرجت من منزلي ومعي أبنائي الستة، وشقيقي وأبناؤه، وجعلت هدفي في الحياة التكفل والاهتمام بشقيقي، فتراكمت علي الديون في سبيل علاج شقيقي في الأردن وفي المستشفى السعودي الألماني إلى أن تمكن «مصلح» من الحركة بعد إعاقة دامت سبع سنوات». والآن منوة وشقيقها «مصلح» بلا سكن ولم تسطع تسديد تكاليف علاجه. أسرة «لطيفة» وكانت لطيفة خضر تسكن الصفيح فانتقلت إلى مساكن الوليد بن طلال، توفي عنها زوجها وتركها تحمل مسؤولية ثلاثة أبناء وأربع بنات لم يستطعن إكمال تعليمهن، فالكبرى تركت الدراسة بعد حصولها على شهادة السادس الابتدائي لتقوم والدتها»لطيفة» بتزويجها وهي صغيرة، علها تخرج من دائرة الفقر، ولم تعلم بأنها ستعود لها مطلقة وتحمل على يدها طفلتها. بينما الصغرى تركت المدرسة بعد أن حصلت على شهادة الصف الرابع الابتدائي. تقول لطيفة لا أدرى من ألوم نفسي أم الظروف حينما أشاهد زميلات بناتي تخرجن من الجامعة، وبناتي أشبه بالمحرومات، وأنا أرى الحسرة في أعينهن. و تتحدث لطيفة بأنها أخذت على عاتقها بعد وفاة زوجها الذي كان مديناً بما يقارب 300 ألف ريال لعلاجه أثناء مرضه، سداد هذا الدين وبالفعل استطاعت سداد ما يقارب تسعين ألف ريال، ولم تقو على سداد الباقي، والآن صدر بحقها صك من الحقوق يلزمها بالدفع، وهي لا تستطيع ما يعني السجن لها. تقول لطيفة «لا قدرة لي على السجن خصوصاً وأنه لدي مرض في القلب، وارتفاع ضغط الدم». معالجة الأسباب ومن جهته اعتبر خبير المسؤولية الاجتماعية الرمضي بن قاعد العنزي أن إيجاد مساكن خيرية لمحدودي الدخل في حيز جغرافي واحد محدد في المدن له جوانب سلبية متعددة، منها جوانب اجتماعية واقتصادية وأمنية وأخلاقية. وبالتالي عدم الخروج من الدائرة فالتغير في البيئة يحتاج أن يواكبه العمل على تغيير في الثقافة بالعمل على معالجة الأسباب. وأضاف» رغم أن الإسكانات الخيرية هي جهود مشكورة سواء كانت من الدولة -أيدها الله- أو من المحسنين، ولكن يبقى الدور الأهم للجهات الرسمية الخدمية والثقافية والتربوية والاجتماعية، وكذلك القطاع الخاص بحيث ينبغي أن تتولى هذه الأحياء أو الأماكن بالرعاية والعناية وتحويلها إلى أحياء تنموية تتوفر فيها كافة المقومات التنموية ضمان اجتماعي وأكد مدير الضمان الاجتماعي في منطقة الحدود الشمالية عوض المالكي أن جميع سكان مساكن الوليد بن طلال من مستفيدي الضمان ويستفيدون من رواتب الضمان الشهرية ومن البرامج المساندة ودعم الضمان لفواتير الكهرباء والدعم المالي لبرامج الحقيبة والزي المدرسي التي يتم إيداعها في حساباتهم بداية كل فصل دراسي. دعم مادي و كشف نائب المدير العام لجمعية الأمير عبدالعزيز بن مساعد الخيرية في عرعر عبدالله بن خنيفس العنزي بأن 90% من سكان إسكان الوليد بن طلال بعرعر هم من مستفيدي الجمعية. تقدم لهم المساعدات حسب الفئات الثلاث المصنفة لدى الجمعية وحسب الدخل المادي وعدد أفراد الأسرة. وتقدم الجمعية لكل أسرة دعما ماديا وفي الشهر الذي يليه ودعما عينيا يكون عن طريق الشراء ببطاقة «البركة» من مؤسسة العثيم التجارية. كما أن هناك مساعدات دورية تقدمها الجمعية لهم ولكنها ليست ثابته إنما تعتمد على ما يرد إلى الجمعية من إيرادات. إضافة إلى أنها تقدم لأبناء وبنات المستفيدين برامج تدريبية لتأهيلهم لسوق العمل ودورات تدريبية في اللغة الإنجليزية، ودورات في مجال الحاسب الآلي إضافة إلى البرامج التثقيفية. وأشار إلى أن العدد الإجمالي للمستفيدين من الجمعية 996 أسرة تتكون من 5700 فرد. تعليم البنات وبين المتحدث الرسمي للإدارة العامة للتربية والتعليم في منطقة الحدود الشمالية سطام السلطان أنه لا توجد مدرسة لتعليم البنات حالياً في الحي، ولكن هناك وسيلة نقل تقوم بنقل الطالبات من وإلى المدارس، وأنه تم هذا العام استحداث مدارس للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة في حي الضاحية. وأكد على وجود مجمع مدرسي للبنين في جميع المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية. مركز صحي وأكد مساعد المدير العام للرعاية الصحية الأولية الدكتور رضا قبلان العنزي أنه تم اعتماد مركز صحي لحي الضاحية الذي تقع فيه إسكان الوليد بن طلال سيتم الإعلان الأسبوع المقبل عن استئجار المبنى الخاص به، وتم اعتماد الكادر الطبي لهذا المركز، وسيستقبل جميع ملفات سكان الحي الموجودة في المراكز الصحية الأخرى، وسوف تتم متابعتهم صحياً، وزيارتهم في المنازل في حال وجود أمراض معدية، وإقامة البرامج التوعوية لهم. أبناء البناقي وجيرانه يساعدونه تشوهات يعاني منها مصلح الحازمي أم بشير تتحدث ل «الشرق» منوة الحازمي وشقيقها مصلح وأطفالهما في الغرفة التي يعيشون فيها أحد فاعلي الخير أحضر بعض الفرش والأغطية لأبناء عنود مسطو لطيفة خضر وأحد أبنائها