ما زالت أم فيصل ومنذ أمد بعيد تعيش حياة مليئة بالخوف والرعب، إذ جاهدت على مدار 30 عاماً للحفاظ على تماسك أسرتها وعدم ضياع أبنائها، فهي أم لثلاث فتيات وشاب يبلغ من العمر نحو 25 عاماًالسبب الحقيقي لمأساة أم فيصل هي إدمان طليقها معاقرة الخمر، وتبديد نقوده على شرائها، إضافة إلى عدم استمراره في عمل يؤمن لعائلته الاستقرار المرجو. طيلة تلك السنوات لم يكن للزوج دور في تربية أبنائه، ما جعل أم فيصل تتحمل عبئاً ثقيلاً، كان استمراراً لحياة قاسية سبق أن عاشت فصولها قبل زواجها، فقد نشأت يتيمة الأبوين، ولم يكن أمامها سوى أشقائها، ولم تكد تنسى فقْد والديها حتى توفي أحد أشقائها جراء إصابته بمرض السكري ولاحقاً بعديد من الأمراض، ثم لحقه شقيق آخر بعد نحو شهرين، وتبقى لها اثنان صغيران هم أحوج إلى عنايتها أكثر من حاجتها إليهم. وعلى رغم سعادتها بطلاقها، إلا أنها لم تكن في حاجة إلى طليقها مثل حاجتها الآن، فالابنة الصغرى لأم فيصل توشك على إنهاء دراستها الجامعية التي التحقت بها من طريق الانتساب، ويتحتم عليها توفير ثلاثة آلاف ريال لكل فصل دراسي، وتخشى والدتها أن يكون مصير ابنتها مثل مصيرها وتبدأ حياتها بالعراقيل ومن ثم تتحول إلى كوابيس مخيفة وطويلة الأمد. هذه الظروف المتراكمة اضطرت الابنة الصغرى إلى البحث عن عمل، إلا أنها لم تستطع متابعة هذا التوجه، بسبب ضعف بنيتها ومرضها المستمر ومناعتها الضعيفة، ما أجبرها لاحقاً على ترك العمل والاكتفاء بالدراسة ومحاولة النجاح بدرجات عالية. ولم تتوقف أخطاء رب الأسرة عند طلاق زوجته، فقد طرد أبناءه وخيرهم بين البقاء معه أو الذهاب مع والدتهم، مؤكداً أن من يتركه ويرافق والدته فلن يكون له أي حق لديه ولن يستقبله في المنزل. وتقول أم فيصل: «لم يكن هذا التصرف جديداً ولا غريباً على طليقي، فقد تعودنا منه على أشد من ذلك طيلة بقائنا معه»، موضحة أن الحالات العصبية التي تنتابه بسبب الخمر جعلتهم يعيشون حياة مليئة بالخوف والرعب والحزن. وعلى رغم كل ما عانته أم فيصل من ضياع شبابها مع زوج قاسٍ لم يعرف يوماً معنى للحنان والمعاملة الحسنة، إلا أنها فضلت الصبر حتى يكبر صغارها، ومع ذلك طلقها وطردها من المنزل، الأمر الذي أعادها إلى ذكريات بائسة قديمة عاشتها في شبابها، وتخشى أن يمر فلذات أكبادها بالظروف ذاتها. لم تيأس العجوز البائسة، فحاولت العثور على منزل بالإيجار يجمعها مع ابنتيها وابنها، إلا أن غلاء الأسعار حرمها ذلك، خصوصاً في ظل عدم وجود دخل ثابت يستطيعون من خلاله دفع المبلغ، «توجهت إلى الضمان الاجتماعي محاولة الحصول على أي دخل ثابت، إلا أن المساعدة لم تتجاوز الألف ريال، وعلى رغم ذلك تابعت محاولة الحصول على أي مساعدة، إلا أن الأقدار لم تساعدني»، مؤكدة أنها تواجه مشكلات كثيرة مع ابنها الوحيد، فهو يعاني كثيراً من الاضطرابات النفسية نتيجة الحياة المأساوية التي عاشها في كنف والده. وتضيف: «حال ابني المضطربة تزيد من معاناتي، فنحن لا نجد منه العون بل نجده غالباً عالة تقف في طريقنا لمحاولة العيش بسلام، فعلى رغم أنه تجاوز ال 25 من عمره، إلا أنه ما زال يأخذ مصروفه مني»، مشيرة إلى أن ابنتيها هما من يخفف عنها عبء الحياة، وما يجودان به على الأسرة. وتوضح: «ابنتي الكبرى تخرجت في الجامعة إخصائية نفسية، إلا أنها لم تظفر بعمل يوازي شهادتها، فهي تقوم بعمل بسيط جداً في أحد المستشفيات براتب ضئيل، ولم تأخذ حتى اليوم حقها في العمل منذ تخرجها، أما ابنتي الثانية فقد تزوجت و تحاول بشتى الطرق الإسهام أيضاً في رفع مستوى معيشتنا، وزوجها أصبح في مكانة ابني، إلا أنه غير ملزم بذلك ولا يستطيع مساعدتنا على الدوام، فهو سعى معنا لإيجاد شقة لنا، وبسبب القوانين في بلدنا بوجوب وجود ولي أمر أو رجل يستأجر المنزل ويكتب باسمه، وقد قام هو بذلك».