تشكل بيروت الرابضة على هامش تغيرات واسعة في العالم العربي، مسرحاً لتجربة موسيقية بعنوان “خط تالت” مؤلفة من فرق وموسيقيين شبان يؤدون موسيقى “الراب”، ويعكسون في أغنياتهم الاحتجاجات الشعبية التي عرفت باسم “الربيع العربي”. وينقل هذا المشروع الموسيقي في أصوات المغنين القادمين من دول عدة ، من تونس التي شهدت أولى ثورات “الربيع العربي” إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، واقع جيل جديد يحمل معه رواسب الماضي. ومن هنا يأتي اسم “خط تالت”، بما يعنيه من مقاربة مختلفة وسط مجتمعات وأوضاع سياسية حادة الاستقطاب في المنطقة، لينقل الشبان في أدائهم نبض مجتمعاتهم واختلافها. ويقول السيد درويش، وهو عضو في الفريق الثلاثي السوري “لتلتة”، أن ما يقومون به “ليس موسيقى الراب كما تقدم في الولاياتالمتحدة، أو فرنسا موسيقانا على علاقة بثقافتنا، بتاريخنا”. ويوضح هذا الشاب البالغ من العمر 24 عاماً، والمتحدر من محافظة حمص (وسط سوريا) التي يعدها الناشطون المعارضون للنظام السوري “عاصمة الثورة” المستمرة منذ نحو عامين، أن الاحتجاجات التي اندلعت في دول عربية عدة بدءاً من العام 2010، أشعلت شرارة هذا التعاون الموسيقي “الأول من نوعه”. ويقول السيد درويش : “الناس على الأرض سبقونا بأشواط… علينا اللحاق بهم”. ويضيف أنه مع تطور موسيقى “الهيب هوب” في سوريا تزامناً مع الاحتجاجات المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد “بدأ الناس بالاستماع… وأصبحت (الكلمات) مباشرة أكثر”. وصبيحة إطلاق الألبوم الأول لمغني الراب خلال حفل موسيقي في فبراير الماضي، يبدي درويش إدراكه تماماً أن غالبية الحاضرين تتوقع من المغنين السوريين أن يتحدثوا عن النزاع في بلدهم. ويقول “إنها مسؤولية كبرى أن تقدم حفلاً يحضره 250 شخصاً ، ويتوقعون منك أن تقدم لهم ما يريحهم ، هي في الوقت نفسه مسؤولية كبرى وموضع سرور وفخر كبيرين بالنسبة إلي، أن أكون ممثلاً لشعبي وثورتي”. ورغم أن فناني “خط تالت” يأتون من خلفيات متشابهة، إلا أنهم يعبرون عن آراء مختلفة. وفي إحدى الأغنيات، تشكل “الثورة السورية” محور جدل بين “الراس” المتحدر من مدينة طرابس في شمال لبنان، والمغني اللبناني المقيم في باريس “حمورابي”. ويشرح درويش ، أن “الراس يتحدث عن الثورة، وكيف يحقق المقاتلون المعارضون تقدماً على الأرض، في حين يقول حمورابي إنهم إرهابيون وإن ما يجري مؤامرة”. رغم ذلك “هما على الخط نفسه، ومن الرائع التمتع بهذا التنوع ، نريد أن نظهر للناس أنه ليس من الضروري أن يقتلوا بعضهم بعضاً لأن آراءهم مختلفة”. وفي أغنية “كرسي اعتراف”، ينتقد السيد درويش ومغني الراب الفلسطيني تامر النفار خطاب الأنظمة العربية العقيم المعادي للغرب. ويرددان “غير الاحتلال غير الاستعمار غير الاستنكار، اللي منمي (الذي ينمي) احتقار شوف كيف بيعاملوا بعض، شوف كيف منعامل بعض شوف، هم كمان مرة وابدا غار منهم”. وبفضل الكلام المبسط والمباشر الذي يكتبونه، كسب المغنون الشباب جمهوراً منذ بدء مشروعهم في مارس 2012. وعلى هامش الحفل الذي أقاموه في بيروت، يقول بعض الحاضرين أن هؤلاء الفنانين يلجون إلى عمق الأمور. ويعتبر حسن، وهو مصور فيديو يبلغ من العمر 29 عاماً، أن المغنين “يتحدثون عن نبض الشارع والموضوعات الاجتماعية و هدفهم تحسين الواقع الراهن”. أما ميرا منقارة، وهي مديرة في مركز بيروت للفنون، فترى أن “الراب الأميركي أو الفرنسي لا يتوجه إلي مباشرة أو يمثل ما أعيشه أو أشعر به. لكن عندما استمعت إلى الراب العربي، تفاعلت معه”. من جهته، يقول الطاهي محمد السيد (26 عاماً) أنه قدم لحضور الحفل ليستمع إلى مقاربة الشبان للأوضاع في المنطقة “هم يفكرون بصوت مرتفع بهواجسنا والأشياء التي نتحدث عنها ونفكر بها”. وخلال أدائهما “من الأول”، يحذر ثنائي “طفار” من منطقة البقاع في شرق لبنان، الحاضرين من الشعور بالرضا عن التغيير الذي ولدته الاحتجاجات في العالم العربي. ويقولان “نصر الثورة يا بن عمي ملا تكون ثورتني، ثورة عالنظام ملا الحرية يخنقها، بعدا ثورة عاللي ناطر نصرا ليسرقها”. أ ف ب | بيروت