أشرت في مقالي «الكذبة الكبرى» (الشرق، 26/3/1434ه) إلى عدم وصولي إلى عدد مجلة «الاعتصام» الذي نُشر فيه الاستفتاء الذي زُعم أن نسبة عالية من الفرنسيات أبدين فيه رغبتهن في الزواج من عرب، والخلاص من الحرية، والدخول إلى عالم الحريم!، نقلاً، بزعمها، عن مجلة فرنسية. ثم تابعتُ، بعد إرسالي المقال، بذل المحاولات للعثور على ذلك العدد. فقد اتصلت بعدد من الزملاء الأساتذة المصريين في القاهرةوالرياض طلباً لمساعدتهم، ومنهم بعض الزملاء العاملين في جامعة الملك سعود. وبذل أحد هؤلاء الزملاء جهداً مضاعفاً في هذا السبيل، وكان، كما يقول، أحد قراء المجلة الدائمين. فقد اتصل بعدد من زملائه في مصر للبحث عن العدد أو عمن يمكن أن يفيد بمعلومة عنه (وأكد لي أن مجلة «الاعتصام» كانت شغوفة بنشر الأخبار الغريبة «الكاذبة!» الشبيهة بذلك الاستفتاء!). وقادت جهوده، في نهاية الأمر، إلى تحديد أحد الذين يحتمل أن يكون العدد موجوداً لديه، وهو الدكتور حلمي القاعود (الإخواني الصميم!). غير أن الزميل أشار إلى مشكل ربما يحول دون الاتصال السهل به؛ ذلك أنه يقيم الآن في قريته خارج القاهرة ولا يستخدم الهاتف الجوال. وزودني برقم هاتفه الثابت حتى اتصل به. وفي اللحظة التي كنت أهم فيها بالاتصال بالدكتور القاعود خطر لي أن أتصل، قبل ذلك، بأحد الزملاء الأساتذة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض ليستقصي، للمرة الأخيرة، إن كان العدد موجوداً في مكتبتها. فبادر الزميل بالذهاب إلى المكتبة لذلك الغرض. وعندها حدثت المفاجأة! وتمثلت هذه المفاجأة (يا لسخرية الأقدار!) بعثور الزميل على مجلة «الاعتصام» والعدد المقصود، ببذله قدراً قليلاً من الجهد، في مكتبة جامعة الإمام! (أرأيتم كيف يكون البحث عن المصادر سهلاً؟!). ثم تفضل بتصوير المقال وإرساله إليّ، في دقائق، بالفاكس. ولما تصفحت الصفحات الثلاث التي أرسلها الزميل، وجدت خبر الاستفتاء بصحبة مقال عنوانه: «الوظيفة الرئيسة للمرأة: تربية الأطفال وتنشئة الأجيال»، بقلم علي القاضي (ص 16 18). ونُشر الخبر في مربع مستقل عن المقال في أعلى ص 17. ولم يتضمن أية إشارة توثيقية للمجلة الفرنسية المزعومة. أما صيغته فهي الصيغة نفسها التي اجترَّتها الرسائل العلمية(!) والمقالات والكتب التي أشرت إليها في المقالات الثلاث السابقة. أما المفاجأة الكبرى، بل الفاجعة الكبرى، فهي أن اسم المجلة الفرنسية (المكذوبة)، في خبر «الاعتصام»، هو: (ماري كير)، لا (ماري مكير)! أرأيتم كيف يسقط المتصدون بالباطل للدفاع عن الباطل؟ أرأيتم كيف يفتضح ادعاء الأستاذة الدكتورة رقية نياز وتلميذتها النجيبة هند عامر بأن (ماري مكير) ربما كان نتيجة لخطأ طباعي وقعتُ فيه أنا!، أو ربما كان خطأ طباعياً وقعت فيه الدكتورة نوال؟ ويدحض الادعاءَ الأخير، ابتداءً، نقلُها هذا الاسم بهذا الرسم من السلسلة الاجترارية إياها. أرأيتم كذب ادعائهما أنهما اكتشفتا (في ويكيبيديا!) أن اسم المجلة الفرنسية هو Marie Clire، أوّلاً، ثم Marie Claire؟! وأمام هذه المفاجأة (الرائعة، أو الصادمة!) يجب إثارة الأسئلة التالية: والسؤال الأول: كيف ينقل الدكتور فؤاد العبدالكريم الاستبيان الموهوم من مصدر ثانوي في رسالته «الفِيلِيَّة» للدكتوراة ذات الألف والثلاثمائة صفحة التي أنجزها في جامعة الإمام نفسها، ولم يكلف نفسه بالبحث عن مجلة «الاعتصام» في مكتبة جامعته؟! (وليست مجلة «الاعتصام» مصدراً أصلياً للخبر، لكن لو رجع إليها لكان المحتمل أن تتخذ القضية مساراً مختلفاً!). والسؤال الثاني: كيف يصح للمشرف على رسالة الدكتور العبدالكريم التغاضي عن نقل طالبه خبراً (غريباً مثل هذا!) من مصدر ثانوي من غير أن يلزمه باستقصاء مصادر ذلك الخبر حتى يصل إلى مصدره الأصلي؟ ولو قام المشرف بواجبه لألزم الطالب بالوصول إلى المصدر الأصلي، أو لألزمه، إن لم يصل إليه، بكتابة تعليق يبيَّن فيه عدم استطاعته الوصول إليه، أو لألزمه بإيراد الخبر في الهامش مشفوعاً ببيان عدم استطاعته الوصول إلى مصدره الأصلي، أو بعدم إيراد الخبر أصلاً. والسؤال الثالث: كيف لم يتوقف الأساتذة الذين ناقشوا «رسالة» الدكتور العبدالكريم عند هذا الخبر «المهم!»، وكيف سمحوا له، إن توقفوا، بارتكاب هذه المخالفة الصريحة للتوثيق العلمي في رسالة دكتوراة؟ إن تساهل المشرف على هذه «الرسالة» أو غفلته، وتساهل الأساتذة الذين ناقشوها، أو غفلتهم، تفريط غير مقبول، وربما يشكك في كفاءتهم المهنية. والسؤال الرابع: لماذا لم تبحث الدكتورة نوال العيد عن مجلة «الاعتصام» في مكتبة جامعة الإمام، وهي التي درست فيها وخَبَرت أرفف مكتبتها، وتعلمت فيها أصول البحث العلمي(!)، وربما كتبت بحثها «الفِيلِي!» معتمدة على ما تحويه تلك المكتبة من مراجع ومصادر؟ ويوجه السؤال نفسه للمحكَّمين الذين أوصوا بفوز «كتاب» الدكتورة نوال بجائزة الأمير نايف – رحمه الله – للسنَّة النبوية. ويوجه السؤال كذلك للأستاذة الدكتورة رقية نياز وطالبتها النجيبة اللتين تعملان في جامعة الأميرة نورة القريبة جداً من جامعة الإمام لعدم بحثهما عن عدد المجلة في مكتبة الجامعة قبل أن ينخرطا في تزوير الحقائق وكيل الاتهامات الساذجة من غير دليل. وتكشف هذه الأسئلة الأربعة عن فساد خطير يجب أن تبرأ منه الجامعات التي تخرَّج فيها هؤلاء، والجامعات التي يدرِّسون فيها حتى لا ينتقل إلى طالباتها وطلابها. وربما لا تمثل «رسالة» الدكتور العبدالكريم و»كتاب» الدكتورة نوال إلا قمة جبل جليدي هائل من الفساد (الأكاديمي!)، في الجامعتين وغيرهما. فقد «غرَّدت» هند عامر، المحاضرة في جامعة الأميرة نورة، في 12/4/1434ه بالشهادة «المذهلة» التالية عما يحدث هناك: «ذهبت لمركز التصوير في الجامعة، فوجدت أن بعض أعضاء هيئة التدريس يقوم بسرقة منهج زميله للمادة نفسها ويضع اسمه عليها، ويقدمها لطلابه دون إشارة إلى المصدر!»(@hindamer)! ألا ترى الأستاذة الدكتورة رقية وتلميذتها النجيبة أنه لا يمكن الجمع بين «الدعوة» والكذب؟! كيف يمكنهما الدعوة إلى الصِّدق والشهادة بالحق، وهما تشهدان بالزور على السلامة المنهجية لممارسات الدكتورة نوال غير المنهجية؟ كما لا يتفق تسويغهما المتعالِم لهذه الممارسات إطلاقاً مع قيم الأمانة العلمية والقواعد المنهجية التي تمثل الأسس الضرورية للبحث العلمي وتحميه من الكذب والغش والاجترار. أما «رسالة» الدكتور العبدالكريم، و«كتاب» الدكتورة نوال فبعيدان جداً عن تحقيق الشرط الأول للبحث العلمي المتمثل في «الموضوعية». فهما لا يزيدان عن «مطويتين دعويتين» ضخمتين تتبنيان وجهة نظر واحدة، وتدافعان عنها بالاجترار.