نصير الحمود سياسي أردني يعمل نائب رئيس صندوق تنمية الصحة العالمية وسفير النوايا الحسنة، والمدير الإقليمي لمنظمة (إمسام) سابقاً والمراقب الدائم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأممالمتحدة، ومستشار الشؤون الدولية لجمعية اللاعنف العربية. تجربته الحياتية والسياسية الطويلة يجعل الحديث معه ذا طابع خاص كما رؤيته للموضوعات والقضايا التي تهم المنطقة العربية والإنسان العربي في ظل ظروف ربما تكون الأخطر على المنطقة العربية وخصوصا منطقة الشرق الأوسط مع تطورات الثورات العربية والانسحاب الأمريكي من العراق وتنامي التهديدات الإيرانية متزامنا مع تراجع النفوذ واصطدام الطموحات الإيرانية بواقع جديد، «الشرق» التقته وطرحت محاورأهم تطورات العام الماضي وقضايا عربية من خلال الحوار التالي: - انضمام الأردن لمجلس التعاون بين المد والجزر، كيف ترون مصير انضمامه؟ - فوجئ الأردنيون بالبيان الختامي لقمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي الأخيرة التي لم تأت على ذكر عملية انضمام الأردن للمجلس والاستعاضة عن ذلك بمساعدات مالية على فترة طويلة، وهو ما ينسحب على المغرب أيضا.لكن ذلك لن يؤثر على العلاقة الإستراتيجية التي تجمع بين الأردن ودول مجلس التعاون، إذ تعد الأردن عضوا غير معلن في المجلس الخليجي، في ظل وجود تنسيق وتعاون أمني بين الطرفين طيلة السنوات الماضية، فضلا عن تسهيل دول المجلس فرص العمل للعمالة الأردنية في المجلس.غير أن التوقيت الذي صدر فيه البيان الذي تحاشى ذكر عضوية الأردن والمغرب جاء في توقيت حساس، إذ أن تنامي التهديدات الإيرانية تجاه الخليج كان يتطلب رفع سقف التوقعات حيال العلاقة المستقبلية بين الخليج والمملكتين الأردنية والمغربية لتأكيد الرسالة التحذيرية الموجهة لطهران. - كيف ترون الاتحاد الخليجي الذي أعلنه الملك عبد الله في قمة 32 لقادة مجلس التعاون؟ - الاتحاد الخليجي وسيلة لتوثيق وتمتين العلاقات بين الدول الست لمواجهة التحديات الأمنية الناجمة عن الدور الإيراني المتعاظم، حيث يظهر توقيت إعلانه بأن التوافق الخليجي بلغ أعلى مستوياته حيال مواجهة التهديد الأمني الإيراني والدلالة على ذلك صفقات السلاح الأخيرة التي قامت بشرائها كل من الإمارات والمملكة العربية السعودية. كما تخشى دول الخليج من المد الشيعي والنفوذ الإيراني في العراق عقب انسحاب الجيش الأميركي نهاية 2012، ما يفتح الباب على عدة احتمالات قد تصب في صالح القوة الإقليمية الإيرانية. كما يأتي إعلان الاتحاد عقب الاحتجاجات التي شهدتها البحرين و التي ساهمت إيران بتأجيجها بشكل أو بآخر. لكن أخشى أن يصبح الاتحاد بمثابة تكتل رصين يكتفي بالدفاع عن مصالح أعضائه بعيدا عن العمق العربي. - ما تعليقكم على التهديدات الإيرانية المستمرة للمنطقة و الخليج خاصة؟ - إيران تسعى لخلط الأوراق في المنطقة وذلك مع تزايد المخاطر التي تواجه الحليف السوري، كما استشعرت طهران حجم الضغط الأوروبي والأمريكي مع قرب فرض عقوبات اقتصادية، لذا هددت باللجوء لإغلاق مضيق هرمز، كما قد تلجأ مستقبلا لتأجيج ملف ميناء مبارك بين العراق والكويت بما يصب في صالحها. التهديدات الإيرانية ليست جديدة، فهي منذ انطلاق ثورة الخميني التي قامت على أسس مد فروعها للخارج، وما الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت ثماني سنوات إلا دلالة على ذلك، لكن التهديدات أخذت في التنامي مع تحسن القدرات العسكرية الإيرانية من جهة وشعور طهران بعد رغبة غالبية الدول حول العالم في تطوير العلاقات معها. - كيف ترون الأوضاع في العراق بعد الانسحاب الأمريكي ومحاولة المالكي إقصاء الكتلة العراقية؟ - الأوضاع في العراق تتجه للتأجيج غير المحمود، فقد استهدف المالكي فور انسحاب القوات الأميركية شخصيات سنية بارزة وإن بدا ذلك الاستهداف لتيار معارض يضم قوى سنية وشيعية ومسيحية وكردية. ومن المخيف الحديث عن المد الإيراني في العراق، فالأخير كان عبر التاريخ مدافعا عن الأمة وقضاياها، ولا نريد أن تقوده قوى نحو اتجاه مخالف، فإيران جار نحترمه لكن عليه احترام جيرانه الذين تعاملوا معه وفقا لآلية ردة الفعل وليس الفعل. وتكرار التهديدات الإيرانية بشان مستقبل مضيق هرمز نوع من الضغط على المجتمع الدولي بشان الملف النووي لكنه يجسد رسالة أكثر وضوحا للمصالح الخليجية التي ترعاها شركات أوروبية وأمريكية، وهم يعلمون أيضا بأن تأجيج أسعار النفط سيتسبب في مشكلة اقتصادية هيكلية في الغرب، لذا فإن طهران قد تسعى لتطبيق مقولة « علي وعلى أعدائي». - كيف ترون الوضع في سوريا خاصة بعد أن فشلت الجامعة العربية تماما في تحقيق أي نتائج على الأرض في سوريا وهل التدخل الأجنبي قاب قوسين أو أدني؟ - دخلت سوريا مرحلة المعضلة، إذ خفت الصوت العربي والتركي والأمريكي والأوروبي المنادي بإنهاء الوضع القائم بطرق سلمية، ما لا يبشر بجدية تلك الأطراف في التسريع بحل هذه الأزمة التي أودت بحياة نحو خمسة الآف مدني كان ذنبهم أنهم طالبوا بالحصول على حريتهم في التعبير والاختيار. وأخشى أن تلك القوى مجتمعة تسعى لاستخدام الملف السوري كورقة يتم المساومة عليها لإعادة ترتيب حجم المصالح في المنطقة، فيما تخشى واشنطن من ظهور نظام حكم جديد في دمشق يهدد الوجود الإسرائيلي، فيما تخشى بعض الدول العربية من ظهور نظام حكم يقوده الإخوان المسلمون وهو ما لا يصب في صالح تلك الأنظمة. ونأمل أن يتحرر السوريون من الحكم المستبد كما نأمل أن يمكنهم الله من إنهاء هذه الحقبة بجهودهم الذاتية وإن كلفهم الأمر مزيدا من الأرواح، إذ لا يبدي المجتمع الدولي جدية في حل هذه الأزمة. – اليمن إلى أين يسير ؟ -الملف اليمني بيد دول مجلس التعاون الخليجي، التي أرى أنها مترددة في طبيعة خليفة الرئيس عبد الله صالح، وتوجهاته، وانتمائه السياسي، واليمن بحاجة لنظام سياسي يضع في قمة أولوياته تنمية البلاد من النواحي الصحية والتعليمية والزراعية، لينتقل إلى مرحلة التنمية السياسية الشاملة التي يسبقها إطلاق الحريات المسؤولة ومحاولة تحويل مساء الانتماء من القبيلة للوطن للمساعدة في تنميته. - الوضع الليبي أفرز صراعات بين الفرق المتوافقة والي ذهب كل منها في اتجاه مخالف للآخر كيف ترون ذلك؟ - أعتقد بأن الحال في ليبيا لن يكون عسيرا كما هو الحال في مواضع أخرى، فهناك قواسم مشتركة بين هؤلاء الفرقاء، بانتظار بناء دستور يحكم البلاد وجيش وجهاز أمني يضمنان الاستقرار، ما سيمكن أبناء هذا البلد من الشروع في بناء تنمية شاملة تحتاجها بلادهم بعد فترة طويلة من التوقف امتدت لأربعة عقود. - الوضع في تونس وتلاعب حركة النهضة الإسلامية في مفردات المشهد التونسي؟ - لا أعتقد بان هناك تلاعبا، لكن من ارتضى على نفسه الدخول في أي عملية سياسية، فإن عليه أن يكون حكيما في تصرفاته، فبدون استخدام الدهاليز والتحالفات وتقديم وتأخير المصالح لا يمكن لأي تيار تحقيق نجاح سياسي. والنموذج التونسي يحتذى، فرغم فوز النهضة إلا أنهم قدموا رئيسا للدولة من تيار يساري يلتقون معه في قواسم مشتركة عديدة أبرزها الانتماء للوطن وحب تنميته، ولعل هذا التصرف رسالة للغرب القريب من تونس بأن الأخيرة ستكون دولة مدنية وليست قائمة على أسس دينية. والخلايا النائمة الايرانية لا توجد في الكويت فحسب بل قد تكون كذلك في غير دولة كما ينبغي على المنتمين لتلك الخلايا تقديم انتمائهم لوطنهم قبل أي بعد آخر.