نواف بن سليمان أتيحت لي الفرصة من خلال عملي أن أتعامل عن قرب مع المشرفين على إنشاء عدد من المشاريع التي تنفذ بمدينة جدة عبر عدد كبير من شركات المقاولات ولجهات حكومية مختلفة، كمشروع مطار الملك عبدالعزيز، ومشروع قطار الحرمين، ومشروع تصريف مياه السيول، وعدد آخر من مشاريع الكباري والأنفاق، وتفاوتت نسب الإنجاز والإتقان لهذه المشاريع، فمنها المتعثر ومنها من لم تسعفه الدراسة الجيدة للمشروع لإنجازه على الوجه المأمول فيطلب الدعم المالي والزمني. تعتبر هذه المشاريع فرصة كبيرة لتأهيل وتدريب أبناء هذا الوطن من المهندسين والإداريين.. لكن ما لفت نظري وشدني كمهندس، هو الطريقة التي استطاعت بها أرامكو السعودية إدارة مشروع السيول، وكانت فعلاً نظرة خادم الحرمين الملك عبدالله صائبة في إسناد هذا المشروع لأرامكو…فعلى الرغم من أن المشروع صُنف من ضمن المشاريع العاجلة وقُلصت مدة تنفيذه لأقل من سنة، إلا أن أرامكو كسبت التحدى مع الزمن على الرغم من المعوقات الهندسية الموجودة بمدينة جدة والمعروفة للجميع. في هذا المشروع تم تقديم مثال حي لفن إدارة المشاريع وإدارة البشر، وقُدِّم المهندس السعودي بصورة مشرفة. يعد هذا المشروع من أكثر المشاريع استقطاباً للمهندسين السعوديين المبتدئين وتأهيلهم بإشراف من مهندسين سبقوهم بالخبرة، وبدعم مباشر وحقيقي من سمو أمير منطقة مكةالمكرمة. في هذا المشروع وجد المهندس ما يحتاجه من توجيه ومعرفة بعمله وتدريب فعلي وصحيح لكل ما قرأه بالجامعة والكتب، بداية من الدراسة الجيدة للمشروع إلى الاهتمام بجميع جوانب المشروع الفنية والإدارية، بالإضافة إلى إحياء ثقافة الاهتمام بسلامة العامل من توفير وسائل وإرشادات السلامة. لقد وضعت أرامكو يدها على الجرح…وخالفت ما تقوم به جهات حكومية كثيرة التي تقوم بتحميل المهندس أعباء إدارية منذ دخوله باب الوزارة حتى تنسيه مهنته بين أكوام من الورق. وأكاد أجزم أن كثيراً من مهندسي هذه الوزارات لا يسعفهم وقتهم ولا الأعباء الإدارية الملقاة عليهم في إشرافهم الميداني على مشاريع مهمة تصقل خبرتهم وتنمي قدراتهم، وللأسف تجد بعض المهندسين بلغت خبرته الوظيفية عشرين عاماً ولم يشرف ميدانياً على مشروع واحد. وأتساءل، إذا كان لدينا مثال ناجح لإدارة مشاريع مهمة وإنجازها في الوقت المحدد وبإتقان وبسواعد أبناء هذا الوطن ومزيج من الخبرات العالمية، لماذا لا تعمم تجربة أرامكو على كل الجهات الحكومية الأخرى التي تعاني من سوء إدارة وتخطيط وتدور في فلك التجارب من مسؤول لآخر، مما يخلق فساداً فكرياً يقتل طموح كثير من المجتهدين ويؤدي لضياع أموال طائلة قد لا تكون لها علاقة بالفساد المالي.