شركة أرامكو السعودية شركة بترولية عالمية متميزة في مجال تخصصها المتعلق بالبترول تنقيباً وصناعة وتسويقاً، وكأي شركة كبرى لديها قطاع معني بالإنشاءات للإشراف على مشاريعها المتنوعة، لذلك هي تملك رصيد خبرة في مجال الإنشاءات في حدود ماله علاقة باحتياجاتها. أوكل إليها إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية فأشرفت على إنشائها باعتبارها مشروعاً ضمن مشاريعها، لكنها في النهاية كانت جهة إشراف ومتابعة وليست جهة تنفيذ مقاولات، وقد اعتبر كثيرون سر نجاحها في هذا المجال متمثلاً في سرعة تنفيذها للمشروع، دون قراءة لمبررات تلك السرعة. سرعة إنجاز المشروع كان محفزه الرئيسي الدعم المالي اللا محدود والقدرة على اتخاذ القرار التنفيذي في هذا الجانب بشكل أوسع من القطاع الحكومي العادي، الذي يتسم بالبيروقراطية والمركزية. ويبدو أننا أعجبنا بتلك التجربة فأردنا من أرامكو تنفيذ استاد رعاية الشباب بجده والآن هناك توجه بالاستفادة منها في تنفيذ مشاريع كبرى بجدة، عقب كوارث الأمطار والسيول. وأنا هنا أطرح تساؤلات حول هذا التوجه. شركة أرامكو لها تخصصها ونجاحها في مجال أو مشروع لايبرر أن نزج بها في جميع المشاريع، لأنه يهمنا تركيزها في مجالها وعدم تحويلها إلى شركة مقاولات أخرى. و يهمنا عدم إدخالها ضمن دائرة المحسوبيات الإدارية الحكومية. من يضمن نجاح شركة أرامكو في الإشراف أو الإدارة لتلك المشاريع حينما تتعامل مع القطاعات الحكومية المختلفة كأمانة جده ورعاية الشباب ووزارة المالية ووزارة المياه وبقية الجهات التي نريد أن نزج بشركة أرامكو في أعمالها؟ ألن تفقد استقلاليتها الإدارية والمالية التي ميزت بعض مشاريعها الخاصة بها؟ اللجوء إلى شركة أرامكو يعني الاعتراف بفشل النظام الحكومي المالي والإداري في مجال الإنشاءات والمقاولات، تخطيطياً ورقابياً. وهنا نسأل لماذا لا نصلح النظام الحكومي بدلاً من إعفائه من متابعة المشاريع الضخمة؟ ألم يكن هذا القطاع معنياً بإنشاء جامعة الملك سعود على سبيل المثال قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وهي الجامعة التي يمكن القول بأنها الأفضل في المشاريع الجامعية من ناحية البناء علينا بحث السبب في نجاح هذا القطاع في بعض مشاريعه قبل عدة عقود من الزمان وتدني أدائه في الوقت الراهن. مع ملاحظة أن حكمي على تدني الأداء كاستنتاج منطقي للجوئنا إلى شركة أرامكو في تنفيذ بعض المشاريع الكبرى، بحجة كفاءتها. أقدر كفاءة أرامكو كشركة بترولية عملاقة لكنني لا أريد أن تصبح بديلاً للأجهزة الحكومية المختلفة أو وزارة مرادفة لبعض الوزارات والهيئات. وعليه فأرى أن الأولوية يجب أن تكون لصالح إصلاح الجهاز الإداري والتنظيمي والمالي للقطاعات الحكومية المختلفة، ولا بأس لو تم الاستعانة هنا بتجربة شركات عالمية ودول أخرى في مجال التنظيم الإداري بما يسمح بتطوير أداء جهازنا الحكومي. إذا كنا نرى تجربة أرامكو الإدارية متميزة فلتكن ضمن الشركات التي يستفاد من تجربتها الإدارية في تطوير نظمنا الإدارية بالقطاع الحكومي، كما تم الاستعانة بشركة فورد سابقاً في وضع بعض الأنظمة الإدارية والمالية. أريد أن نحاسب شركة أرامكو مثل غيرها على تأخر تنفيذ بعض مشاريعها مثل مشروع مصفاة جازان، فهذا تخصصها ويجب مساءلتها فيه بدلاً من الزج بها في مشاريع أخرى تنسينا متابعتها في مجالها.