لم تكد الإدارة الأمريكية تعلن انسحاب قواتها من العراق، حتى بادر رئيس الوزراء نوري المالكي إلى المطالبة بمحاكمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي مدّعيا تورطه في أعمال إرهابية تستهدفه. ولم يكتف المالكي بهذا بل قام بمحاولة لطرد نائبه صالح المطلق رغم أنّه لا يمتلك ما يخوّله فعل ذلك لا قانونيا ولا دستوريا. وترافق ذلك مع تعليق قائمة “العراقية” مشاركتها في البرلمان ردا على سياسات الظلم والتهميش. وعلى الرغم من أنّ المالكي وحلفاءه ينكرون الطبيعة الطائفية لهذه الإجراءات، لكن عاقلا لا يستطيع أن ينفيها خاصة عندما تكون صادرة عن جهة معروفة بانتماءاتها وسياساتها الطائفية المقيتة، ناهيك عن أنّ هذه الإجراءات إنما تأتي في ظل سياق طائفي إقليمي أكبر أيضا يتمثل في مساندة النظام العلوي في دمشق. ومن الواضح أنّ المالكي الذي وصل إلى مركزه بصفقة أمريكية – إيرانية، يخشى تراجع سلطاته ونفوذه بعد الرحيل الأمريكي الذي كان يسانده عمليا. ومع تقلص قدرات واشنطن على التأثير المباشر في العراق نتيجة لهذا الغياب العسكري، فإن المالكي يعتمد اليوم أكثر فأكثر على إيران للحفاظ على مركزه. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم الهجوم الطائفي للمالكي على سنّة العراق وعلى حلفائهم وممثليهم خشية عودة المكوّنات الوطنيّة بقوة إلى الحكم، في محاولة منه لتحجيمهم وفرض السيطرة عليهم قبل أن ينعكس الجو الإقليمي الذي يشهد تراجعا لنفوذ المحور الإيراني على الداخل العراقي. إلا أنّ مثل هذه السياسات الخرقاء إذا ما استمرت فإنها تهدد بحرب طائفية جديدة في العراق قد تشهد معارك طاحنة على شكله وهويته وقد تؤدي في النهاية إلى تقسيمه، خاصة أنّ سياق الأحداث يأتي في وقت تحاول إيران فيه إعادة التموضع في العراق بما يخدم أجندتها الجديدة. فقبل الانسحاب الأمريكي، كانت أولوية طهران تتركز على الاستفادة من غرق واشنطن في الرمال المتحركة العراقية للعمل على زيادة نفوذها وتأثيرها في بغداد. وكان اهتمام طهران ينصب أيضا على جمع الشيعة تحت مظلتها لاستغلالهم كرافعة في تحقيق سياساتها والتأكد من إنشاء نظام عراقي موالٍ لها. أما اليوم، وانطلاقا من مخاوف النظام الإيراني من تداعيات الثورات العربية على مشروعهم في المنطقة ونفوذهم في الدول العربية ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالحالة السورية من جهة، ومن النزعة التوسعيّة الطبيعية في العقلية الإيرانية من جهة أخرى، فإن أهدافا أخرى برزت. ويحتل هدف منع قيام عراق عربي قوي مستقر وآمن أولى أولويات الملالي في المرحلة القادمة، فهم يعلمون علم اليقين أنّ مثل هذا العراق هو الحاجز الطبيعي والتقليدي تاريخيا للسياسات العدوانية والتوسعية الإيرانية في المنطقة. ويأتي التأكيد على الصبغة الطائفية للعراق ضمن سلّم الأولويات الإيرانية أيضا، لأن عراقا من هذا النوع وعلى الطريقة اللبنانية، يسهل السيطرة عليه وتوظيفه كساحة ضد خصوم طهران سواء في الخليج العربي كالسعودية أو في مناطق أخرى كتركيا، وهو ما يعني أنّ العراق قد يشهد في مقبل الأيام معارك داخلية فيه أو إقليمية عليه إذا ما استمر سياق الأحداث كما هو الآن.