يبدو “أمور” فيلماً صعب النجاح في “هوليوود”، عند قراءة السيناريو والحوار، ولكنه على الجانب الآخر يعتبر قصيدة عن القوة الدائمة للحب التي جسدها اثنان من أكثر النجوم إبداعاً في السينما الفرنسية، إيمانويلا ريفا، وجان لوي ترنتينيان. الحب في خريف العمر، عندما يبدأ المرض والشيخوخة في التسلل إلى الجسد، هو موضوع فيلم “أمور” (الحب) للمخرج النمساوي مايكل هانكه، الذي رشح لخمس جوائز أوسكار، من بينها جائزة أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل ممثلة. وهانكه من المخرجين الذين لا يعرضون للمشاعر العاطفية بطريقة مباشرة. وتعتبر معالجته للعلاقة بين رجلا وامرأة (جورج وآن) من مدرسي الموسيقى المتقاعدين، بعد معاناة المرأة من سكتة دماغية قوية مثل معالجته للعنف السادي في قرية ألمانية عشية الحرب العالمية الأولى في فيلم “وايت ريبون” أو (الشريط الأبيض) المنتج عام 2009، أو الشعور بالذنب والاستعمار في فيلم “كاشيه” عام 2005. وفي “أمور” تنقلب حياة مدرسا البيانو المتقاعدان بشكل كبير بسبب الشيخوخة والمرض أيضاً. وذات صباح، وبعد أن حضرا حفلاً موسيقياً لأحد تلاميذ آن السابقين اللامعين، تصاب آن بسكتة دماغية. وبعد أن تعود إلى منزلها تتدهور حالتها بشكل تدريجي. وبعد أن تولى جورج مهمة الاعتناء بها طوال الوقت، أصبحت شقتهما هي آخر ملاذ لهما في مواجهة العالم. حتى أن ابنتهما (إيفا)، التي تلعب دورها إيزابيل هوبير، وهي بطلة فيلم “عازفة البيانو” إنتاج عام 2001 للمخرج هانكه، تشعر بأنها دخيلة عندما تأتي لزيارتهما. ويرسم الفيلم كيف يشوه مرض آن علاقة الزوجين. ومع تقدم جورج في السن، وإصابته بالشيخوخة، يجد نفسه وكأنه أصبح أماً لزوجته، محاولاً إدخال الطعام داخل فمها المغلق. واستطاع التأقلم بشكل بطولي مع دوره الجديد. ولم تعد آن قادرة على عزف مقطوعات “شوبرت”، إلا أنها قادرة على أداء أغنية للأطفال. ومثل “كاشيه”، و”الشريط الأبيض”، يوجد عنف مفاجىء في “أمور”، ولكنه العنف الذي عندما يأتي تشعر كأنه مثل الخلاص. وتجعل معالجة الفيلم الفاترة للألم مشاهدته لمرات أمراً صعباً في بعض الأحيان، ولكن الإثارة الكبيرة تجعل من المستحيل أيضاً عدم متابعته. وتفوق ترنتينيان، نجم مدرسة “الموجة الجديدة الفرنسية”، على نفسه في أداء دور زوج وأب يحاول التمسك بهما معاً. وكان أداء إيمانويل ريفا لدور آن، السيدة الفخورة المعتزة بنفسها، المذعورة بمرضها الجسدي والعقلي، رائعاً. وحصلت ريفا، التي ذاع صيتها لدى تجسيدها لدور امرأة فرنسية تقع في حب رجل ياباني في فيلم “هيروشيما مون أمور” إنتاج عام 1959 للمخرج ألين ريسنايس بالفعل على جائزة “البافتا” البريطانية عن دورها في الفيلم، وهي الآن تتقدم على جينيفر لورنس، وجيسيكا تشاستين، في المنافسة على أوسكار أفضل ممثلة. وتتزامن مراسم توزيع الجوائز مع عيد ميلادها ال86. وقال ترنتينيان في تصريحات لصحيفة “لوموند” الفرنسية إنه عند عرض “أمور” في مهرجان كان السينمائي العام الماضي، حين حصل على جائزة “السعفة الذهبية” اقتنع أن الفيلم عبارة عن ضربة قوية. وأضاف “خيم الصمت على الجميع في نهاية الفيلم. لم يصدر رد فعل سريع من الجمهور”. في الواقع شعر الجمهور بالسعادة، وبعد أن استعادوا أنفسهم، منحوا المخرج والممثلين تصفيقاً حاداً. باريس | د ب أ