شكل بيان وزارة الداخلية إعلاناً عن إجراء نظامي مبني على لائحة الإجراءات الجزائية المعمول بها في المملكة. وعلى الرغم من لغة الحزم التي حملها البيان؛ فإنها تضمّنت دعوة واضحة إلى المطلوبين أمنياً وإلى ذويهم وإلى أفراد المجتمع، من أجل الوصول إلى تطبيق النظام، فيما يخصّ أحداث محافظة القطيف خلال الشهور الماضية. وتُشبه هذه الدعوة الدعوات التي سبق أن وجهتها الوزارة لمتورطين في أحداث إرهابية عبر لوائح أمنية شملت عشرات من المطلوبين. وقد أثمرت هذه الوسيلة عن تسليم كثير من المطلوبين أنفسهم طوعاً وانخراطهم في برنامج المناصحة الذي أثمر كثيراً في سياق مواجهة الإرهاب في المملكة. أحداث القطيف وتعود مبررات الطلب الأمني الذي أعلنته وزارة الداخلية إلى الأحداث التي شهدتها محافظة القطيف، وتسلسلت منذ بداية عام 2011، وتواصلت في مواقع مختلفة متمثلة في تجمعات مختلفة، واجهتها الجهات الأمنية بهدوء في بدايتها. وقد خفت الأحداث بعد مناقشات خاضها مسؤولون في المنطقة الشرقية ووجهاء من محافظة القطيف، وأثمرت النقاشات عن تقدّم طيب واختفت من شوارع المحافظة التصرفات المستفزة. لكن قلة من الشبّان استمرّوا في تصرفات فردية حاولت الجهات الأمنية ضبط النفس تجاهها، على أمل أن يجد الشبّان غير المسؤولين فرصة للتخلي عن التصرفات غير اللائقة. لحظة انفجار وقد وصلت الاستفزازات ذروتها في 24 من نوفمبر الماضي، حين استفزّ شبّان نقطة تفتيش في أحد شوارع المحافظة، وأطلقوا الرصاص على دورية، لتتسارع وتيرة العمل الأمني لمواجهة المشكلة. وقد كشفت وزارة الداخلية، وقتها، التفاصيل على لسان اللواء التركي الذي قال يومها، إن “مثيري الشغب حاولوا إحراق مركبات أمنية ورشها بأصباغ إضافة إلى إشعال حاويات في الشوارع وإغلاق طرق”. وبسبب تعقيد الأمر آنذاك فقد سقط أربعة قتلى بين المواطنين وأصيب مواطنون آخرون وبعض رجال الأمن. وعلى الرغم من وصول الموضوع إلى هذا المستوى الخطير؛ فقد حاولت الأجهزة الأمنية التعامل بحذر شديد وانضباط، كما حرصت الوزارة على عدم تضخيم الموضوع، خاصة حين حاولت وسائل إعلام خارجية رسم صورة مبالغ فيها كثيراً. وقال اللواء التركي لصحافيين وقتها أيضاً إن أحداث القطيف محدودة وفي منطقة صغيرة، وعبّر عن أمله في أن يكفّ المتورّطون في أعمال الشغب عن هذه الأعمال. وجاءت هذه اللغة اللينة بُغية احتواء الموقف وإتاحة الفرصة لعودة القلة الذين يمثلون أنفسهم فقط إلى منطق العقل. تعاون المواطنين وقد أفرزت الأحداث تعاوناً طيباً من قبل المواطنين في محافظة القطيف الذين رفضوا منطق العنف، وأدانوا حمل الأسلحة وإشاعة الفوضى وتعطيل الحركة. وهو ما شهدت به الوزارة على لسان متحدثها الإعلامي، حيث أطرى تعاون الأهالي في المحافظة بتسليم أبنائهم المتورطين وهو ما كان له الأثر الطيب، ورحب بتعاون المواطنين في الإبلاغ عن تلك العناصر الإجرامية عن طريق الاتصال بالرقم 990، مؤكداً أن جميع المعلومات تحاط بسرية تامة. وأكد أن جميع من قُبض عليهم أو سلموا أنفسهم في الأحداث مواطنون سعوديون، ولا يوجد بينهم أجانب، وأن الجهات الأمنية تتعامل مع الأحداث بحذر لحماية المواطنين؛ كون عناصر الإجرام مندسة وسط الأحياء السكنية والمزارع. كما ذكر اللواء التركي وجود معلومات لدى الجهات الأمنية تؤكد ارتباط العناصر الإجرامية بجهات خارجية واصفاً عناصر الإجرام بالمغرر بها أو المأجورة. ولكنه قال إننا سنتعامل مع المتورطين من خلال المعطيات، ولا تعنينا الدول الخارجية الداعمة. مبادرات أمير المنطقة وفي السياق ذاته كانت المبادرات الرسمية جادة في سبيل دعم الوضع الأمني في المحافظة، وقدم أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد عبدالعزيز واحدة من أهم المبادرات، حين اجتمع بوجهاء من المحافظة، وحاورهم في القضية. وأضاف على هذه المبادرة مبادرة أخرى هي مواساة ذوي المتوفين في الأحداث، واستضافته إياهم. وقد كان لهاتين المبادرتين، وغيرهما، أبلغ الأثر في دعم العلاقة بين المسؤول والمواطن، واحتواء الأزمة بمسؤولية شديدة. حكمة أمنية عالجت الموقف (الشرق)