قضت محكمة إسرائيلية أمس برفع الحظر المفروض على التقارير الإعلامية بشأن قضية المواطن الأسترالي والعميل السابق للاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) الذي تُوفِّيَ في سجن إسرائيلي عام 2010. جاء ذلك رغم عدم صدور تأكيد إسرائيلي رسمي حول التقرير الذي نشرته أمس هيئة الإذاعة والتليفزيون الأسترالية (إيه.بي.سي) بشأن القضية التي قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنَّهَا ربما تسبب إحراجاً لحكومة تل أبيب. وسلَّطت الوفاةُ الغامضةُ لسجين أسترالي في إسرائيل الضوءَ على نظام رقابة يديره الجيش ويواجه صعوبة متزايدة في حجب معلومات سريَّة كثيراً لا يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت. وتتعلق القضية برجل ذكرت «قناة إيه.بي.سي» التليفزيونية الأسترالية أمس الأول أنَّه كان عميلاً لجهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد). وقالت القناة إنَّه انتحرَ في سجن إسرائيلي عام 2010 في جناح معزول يخضع لحراسة مشدَّدَة بُنِيَ في الأصل لقاتل رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين. ولاتزال السريَّةُ الشديدةُ تغلِّفُ سببَ احتجاز الرجل الذي عرفته «إيه.بي.سي» باسم (بن زيجير) وقالت: إنه مهاجرٌ إلى إسرائيل. ويتعيَّنُ عرض التقارير التي تتناول أموراً تتعلَّقُ بأمن الدولة على المراقبين العسكريِّينَ للتدقيق فيها. لكن في غضون ساعات من ظهور التقرير التليفزيوني قالت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية إن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استدعى رؤساء تحرير إسرائيليين طالباً منهم عدم نشر موضوع «محرج جداً لوكالة حكوميَّة إسرائيليَّة محددة». وسارعت وسائل الإعلام الإخبارية الإسرائيلية التي نقلت التقرير إلى إزالته من على مواقعها الإلكترونية، لكن هذا لم يكن من شأنه سوى لفت الانتباه إلى القضية. وتناقل مستخدمون لموقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» و»فيسبوك» رسائل تعرض على الإسرائيليين الذين يُجِيدونَ لغات أجنبية عناوين لمواقع إخبارية أجنبية. وعلى مدى عقود ألزم الصحفيون في إسرائيل بتوقيع تعهد بالالتزام بالقواعد الرقابية العسكرية عندما يتقدمون بطلب اعتماد من المكتب الصحفي الحكومي. ويواجه المراسلون خطر الحرمان من البطاقات الصحفية وبالنسبة للأجانب الحرمان من تأشيرات العمل إذا انتهكوا القواعد. وخلال حرب إسرائيل على غزة التي استمرت ثمانية أيام في نوفمبر حذَّر مراقب عسكري مراسلاً من نشر أنباء عن مواقع سقوط الصواريخ الفلسطينية في إسرائيل، قائلاً «إمَّا أن تعمل معنا أو تعمل في الخارج». وفي عصر الإنترنت باءت مساعي إسرائيل لإبقاء الأسرار طيَّ الكتمان بالفشل. وقال أفيجدور فيلدمان، المحامي الإسرائيلي الذي كان بين موكليه موردخاي فانونو الذي كشف أسراراً نووية إسرائيلية – «الناس في الدولة وفي جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) وفي المحاكم يتصرفون كما لو كنَّا مازلنا في العصر الحجري». وفانونو فني سابق في مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي المحاط بسرية عالية، وكان قد أبلغ صحيفة صنداي تايمز البريطانية في 1986 بأنه يتم إنتاج قنابل ذرية في المفاعل. وحُكِمَ عليه بالسجن بعدما أُدِينَ بالخيانة وقضى في السجن 18 عاماً. وقال فيلدمان «تلك الأشياء ينكشف أمرُها في نهاية المطاف. الناس تتحدث وليس فقط على الإنترنت. الصمت الذي كان سمة هذا البلد في وقت من الأوقات لم يعد قائماً. جميع أوامر عدم النشر ليس من شأنها سوى وصم المحاكم والبلد بالعار». وقال ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة هاآرتس الليبرالية: إنَّ سلطات الأمن الإسرائيلية والقضاة الذين يصدرون أوامر منع النشر بناءً على طلبها يواجهون صعوبةً في التوافق مع مفهوم عمل الإعلام الحر في بلد ديمقراطي. وكتب في تعليق بصحيفته: «رئيس الموساد تامير باردو وأمثاله يعتبرون الإعلام الإسرائيلي فرعاً من الدولة … وهذا هو السبب في أننا مضطرون بشكل سخيف للنقل عن مصادر إخبارية أجنبية بشأن العمليات العسكرية والأمور الغامضة بشأن المخابرات والمحاكمات السرية». وأضاف «جيل بعد جيل كان المراقب العسكري يوضح للصحفيين أنَّ المجتمع الدولي ينظر إلى أي شيء يُنشَر في وسيلة إعلام إسرائيلية باعتباره تصريحاً رسميًّا بخلاف التقارير المنقولة عن مصادر إخبارية أجنبية». ولذا، عندما تقع حوادث مثيرة للجدل مثل هجومٍ على سوريا الشهرَ الماضي قالت حكومة دمشق إنَّ القوات الجوية الإسرائيلية نفذته منعت وسائل الإعلام الإسرائيلية من نشر معلوماتها الخاصة. وفي حين أصبحت الأسلحة النووية الإسرائيلية سراً مفشيًّا لعقود كانت الإشارة إلى الترسانة تُنسَبُ دائماً في الصحف المحلية إلى «تقارير أجنبية». والغريب أن قضية السجين الأسترالي الذي قالت «إيه.بي.سي» إنه كان يعرف باسم «السجين إكس» اعتبرت بالغة الحساسية لدرجة أنَّ السلطات حاولت على مدى نحو 24 ساعة منع تسرب أي حديث عنها إلى الإعلام المحلي. إلا أن السلطات رفعت الراية البيضاء في نهاية الأمر عندما استخدم مشرِّعُونَ يساريون وعربٌ الحصانةَ البرلمانية للمطالبة في الكنيست بتفسيرات بخصوص الفضيحة، وهو ما سمح لصحف إسرائيلية بالتلميح على الأقل إلى القضية.