تبني الأمم استراتيجياتها وخططها المستقبلية، بناء على ما تكتسبه أجيالها من علم تطبيقي تفاعلي، فالتعليم هو الترمومتر الذي يحدد مسارات الأمم وهو المقياس الذي تقاس به حضارة الأمم، وتقدمها. من هذا المنطلق يتبادر إلى الأذهان تساؤل مُلح، هل مخارج التعليم لدينا، تناسب مستقبل أجيالنا وتتوافق مع طموحاتهم، وتؤهلهم للحصول على عمل؟ يجب أن نكون صريحين مع أنفسنا ولا ندفن رؤوسنا في الرمال وننكر الحقيقة المُرة التي تعاني منها مخارج التعليم لدينا، فالمتمعن في مناهجنا التعليمية يجد قصورا واضحا ومخلاً في مخرجات التعليم وعدم توافقها مع متطلبات العصر الحديث, مع أن هذا الخلل قد أشبعته وسائل الإعلام المختلفة نقدا وبحثا، ولكن للأسف الشديد ما زال القائمون على شؤون التعليم لا يحركون ساكنا، وكأن هذا الأمر لا يحدد مستقبل أمة، ومستقبل بلد، ومستقبل أجيال. إن استراتيجية التعليم لدينا، تعتمد على التلقين، والحفظ مما يقتل الإبداع، ويحبط الطموح ويهدر الطاقات الموجودة في نفوس الطلاب، ويتحول الطالب إلى مجرد متلق ومستمع، وكأنه مجرد «كاسيت» تختزل فيه معلومات عامة لا قيمة لها على الصعيد التطبيقي التفاعلي، فمعظم مناهجنا مواد نظرية جامدة تستهلك في تدريسها كثيرا من الوقت، والجهد، والمال ولا تتعدى فائدتها محيط عقول من يتعلمها، أو محيط الفصل التي تدرس فيه، ولا تتوافق أبدا مع تقنيات العصر الحديث، ولا تتوافق مع متطلبات سوق العمل بتاتا. علينا أن نسأل أنفسنا، ماذا نستفيد من طالب سعودي أو طالبة سعودية كل رأس مالهم المعرفي معرفة الطقس في موريتانيا، أو عاصمة جيبوتي، أو حفظ أبيات شعرية، أو مسرحية من مسرحيات شكسبير، أو تاريخ حروب التتار والمغول، ماذا يستفيد الفرد نفسه، والمجتمع على الصعيد العملي من هذه المعلومات العامة التي تستهلك وزارة التعليم في تدريسها آلاف الدقائق ومئات الساعات ..؟! لا أعيب على هذه المواد كثقافة عامة ، لكن من المفترض أن تكون مواد (لا صفية، ولا منهجية) وتكون للمطالعة الحرة لمن يريد مطالعتها في وقت الفراغ أو تحول هذه المناهج إلى المكتبات المدرسية العامة، فمعظم المواطنين يريدون أبناءهم أن يتعلموا علما تطبيقياً، وتقنياً تفاعلياً لكي يكون التعليم سبباً في أن يجد المتخرج عملا يقيه ذل الحاجة، ومرارة السؤال على أرصفة البطالة.؟! شيء مؤلم حقا، أن يكون مستقبل أبنائنا ضحية مناهج معلبة، انتهت صلاحيتها منذ عشرات السنين ولا تفيدنا في واقعنا المعاصر. ومما يحز في النفس أن القائمين على التعليم اهتموا بتطوير القشور ، ولم يهتموا بتغيير الجذور، وانصب اهتمامهم على نظام التقييم المستمر، وهو مجرد استهلاك للوقت، وإهدار لجهد المدرس، دون فائدة تطببقية للطلاب. يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا مهما، هل المقصود من التعليم الثقافة العامة فحسب، أم المقصود هو العلم المعرفي التطبيقي المهني الذي يؤهل الطالب المتخرج، لكي يكون ذا قدرات مهنية تتماشى مع سوق العمل؟ ولكي لا يخرج علينا أحد مما يعشقون التنظير العاطفي, ويعتبرون كل نقد بناء للمناهج على أنه مطالبة بتغريب مناهجنا، عليهم أن يسألوا أنفسهم ما هو المانع الشرعي، أو المعرفي الذي يمنع أن ندخل التلمذة المهنية والتطبيقية التفاعلية في مدارسنا «فحرفة في اليد أمان من الفقر»؟! ومضة حقيقة: يقول المثل الصيني «لا تعطني سمكة كل يوم ، بل علمني كيف أصطاد السمكة».؟!