يحمل الحديث مع النائب البرلماني الإيطالي جياني فيرنيتي العديد من الملفات الهامة في المشهد السياسي الإيطالي بحكم خبرته وعمله وزير كاتب للدولة بوزارة الخارجية الإيطالية مكلفا بالشأن السياسي الدولي ، وقضايا حقوق الإنسان ووصولا للشأن العربي، التقته «الشرق» لتطرح عليه العديد من المحاور من خلال الحوار التالي: - يعيش المجتمع العربي منذ مدة ربيعا عربيا أطاح بعروش بعض الأنظمة ويهدد بعضها الآخر حتى اليوم ، كيف تنظرون لمستقبل العلاقات العربية الأوروبية على ضوء ما يجري ؟ - أنا جد متفائل للمتغيرات التي تعيشها البلدان العربية، فالرغبة في الديموقراطية والحرية كمطلب لبلدان وشعوب البحر الأبيض المتوسط والمشرق العربي ، لا يمكنه إلا أن يقرب بين الدول العربية والمجتمع الغربي، لقد استطعنا خلال العقود الأخيرة من ربط علاقات اقتصادية وتجارية مهمة ومتطورة ، وحان الوقت من إعطاء دفعة قوية لتطوير علاقات سياسية مبنية على احترام حقوق الإنسان ، وتقاسم مبادئ الحرية والديموقراطية العالمية بشكل متساوٍ وإيجابي بما يعود على شعوبنا بالخير والازدهار والنهضة. - سعادة النائب، يحظى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمكانة مهمة عربيا ودوليا لما يقوم به من مجهودات لتطوير العلاقات العربية الدولية باعتباره مؤسس وداعم لحوار الأديان وتعدد الثقافات ونشر السلم ، كيف تقيمون مجهودات جلالته بالمنطقة ؟ - في ظل خصوصيات العولمة الحالية وثأتيراتها فإن أي محاولة لفتح حوار بين الثقافات والأديان لا يمكن إلا أن يؤسس لروابط متقدمة للعلاقات الثنائية بين الشعوب، وذلك أمر في غاية الأهمية ، يعزز ثقافة الاختلاف ويجعلنا نلم بضرورة تكاملنا وتآزرنا لنهضة وسلم عالمي يعمنا جميعا. ولا تفوتني الفرصة لأنوه بدور الأشقاء العرب في الخليج وخاصة الأسرة الملكية الحاكمة في المملكة العربية السعودية لما يولونه للدفاع عن السلم وحوار الأديان وتطوير العلاقات العربية الأوروبية، ونحن في إيطاليا نكن لملك السعودية احتراما وتقديرا خاصا ونعمل جاهدين للحفاظ على خصوصية العلاقات الإيطالية السعودية. - ما الدور الذي يمكن أن تلعبه البلدان الأوروبية لدعم ومساندة الشعوب الثائرة ضد حكامها الرافضين للاستجابة لمطالبهم والذي يواجهون ثوراتهم بالحديد والنار؟ - لقد بذلت المجتمعات الأوروبية خلال العقود الأخيرة مجهودات كبيرة لتحقيق الديموقراطية ورفع مستوى المعيشة، ولم يتحقق لها ذلك بسهولة، وبالرجوع لتفحص تاريخ أوروبا ، يمكن تلمس التضحيات التي تكبدتها شعوبها للوصول لما وصلت إليه الآن، واعتمدت عملة وإدارة موحدة، واستطاعت أن تضم إليها العديد من بلدان المعسكر الشرقي الذين كانوا يعانون من الديكتاتورية السوفياتية سابقا. - يعتبر الاتحاد الأوروبي نموذجا ديمقراطيا ناجحاً يمكن دراسته نحو تحقيق السلم والانتقال الديموقراطي. ماهو تعليقك ؟ - نعم ولكن هذا النجاح كما ذكرت لم يتحقق إلا بمجهودات وتضحيات كبيرة ، ولذلك فإننا اليوم سعداء بالشعوب العربية التي تناشد مزيدا من الحرية والديموقراطية والتطور والاتحاد، ويمكننا معاً خلق فضاء واسع للسياسة والاقتصاد المشترك لأكثر من مليار مواطن يمكنهم جميعا أن يستفيدوا ويتقاسموا نفس المبادئ والحقوق. - منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي لم يكن لإيطاليا دور محوري في حل الصراع القائم، ما موقفكم كفاعل سياسي وكاتب دولة سابق في الخارجية ؟ - من حق دولة فلسطين إقامة دولة حرة مستقلة، كما من حق دولة إسرائيل العيش بأمان وبدون تهديدات وخطر. وهو ما يستدعي إقامة دولتين، ديموقراطيتين، لشعبين ، فعلى إسرائيل وجارتها فلسطين العيش في سلم وأمان، وأنا جد قلق من الدور السلبي لدولة إيران التي تدعم حماس وحزب الله والتي بذلك تضعف من المجهودات التي تبذلها البلدان الأوروبية التي تعتبر إيطاليا جزءا مهما منها، كما أشيد هنا كذلك بمجهودات قطر والسعودية للتقريب بين أطراف النزاع لإيجاد حلول وسط لإخراج المنطقة من صراع دام طويلا ويجب طيه. - هناك من يقول أن هناك علاقة قوية وخفية بين أوروبا وإيران، كيف تقيمون مستقبل العلاقات السياسية مع إيران كعنصر مؤثر في المنطقة؟ - لقد كانت أوروبا السباقة لفرض عقوبات على دولة إيران ، وعليها وقف برنامجها النووي وتمويل الجماعات الإرهابية بمختلف دول المشرق العربي حتى يمكن للمنطقة أن تنعم باستقرار ، وأمن دائم ، وتتمكن شعوبها من تنسم رائحة الديموقراطية والازدهار وتطوير علاقات دولية تعود على الجميع بالخير ، كبديل لمعاناة الأزمات الاقتصادية التي اكتوت منها كل الدول. - إيطاليا كان لها دور بارز في المشهد الليبي إبان الثورة الليبية كيف تحدثوننا عن ذلك؟ - لقد حاول القذافي إزاحة المعارضة الشعبية لشباب بنغازي ، وقمع ثورتها بالحديد والنار ، وكان ذلك خطأ سياسي قاتل ، جعل العالم يستنكر كل المجازر التي ارتكبها في حق شعبه الأعزل ، مما حدا بالمجتمع الدولي للتدخل لوضع حد للانتهاكات التي كان يرتكبها نظام القذافي كل يوم ضد شعب ليبيا الأبي، واعترفت دولة إيطاليا كالعديد من الدول بالمجلس الانتقالي الليبي كممثل قانوني ووحيد للشعب الليبي. - اليمن بدوره يعيش ظروفا مماثلة وثورات مستمرة، فما هو المطلوب لتحقيق الانتقال الديمقراطي في اليمن؟ - على المجتمع الدولي دعم دولة اليمن التي استطاعت بدء تحقيق الانتقال الديموقراطي من خلال توقيع المبادرة الخليجية بدون عنف ، عكس سوريا التي أبان نظامها عن ديكتاتورية متوحشة حصدت أرواح الآلاف من أبنائها. وإيطاليا والبلدان الأوروبية مستعدة لدعم اليمن حتى يحقق نهضته الديموقراطية التي هتف من أجلها الشعب اليمني، ويمكننا كذلك تقديم دعم مالي لمساعدته على تجاوز الأزمة ورسم مستقبل مزدهر وآمن. - دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة الخليجية ال 32 ، والتي انعقدت مؤخرا في الرياض لقيام اتحاد خليجي سواء كان فيدراليا أو كنفدراليا وربما على غرار الاتحاد الأوروبي كيف ترون ذلك؟ - كما سبق الإشارة لذلك فالاتحاد الأوروبي يعتبر تجربة ناجحة بكل المقاييس ، فخلال القرن الأخير عاشت أوروبا تجربة حربين عالميتين كانا لهما تأثير على كل بقاع العالم، واليوم يعيش قرابة 500 مليون أوروبي في سلم وأمن وأمان بدون حواجز جمركية ، وبمؤسسات مشتركة جعلت من المنطقة نموذجا حضاريا متقدما وفريدا في الديموقراطية وحقوق الإنسان. وأتمنى أن يعرف المشرق العربي والمغرب العربي نفس المصير الحضاري ، وأن تدعم الدول الغنية باقي الدول العربية الفقيرة حتى يتشكل اتحاد خليجي قوي ومتكامل ، يحقق متطلبات شعوبه الطامحة للازدهار والحرية وحقوق الإنسان.