استطاع عمدة ميلانو المنتخب، جوليانو بيسابيا، بخبرته القانونية ومبادئه السياسية المبنية على التعايش السلمي وحقوق الإنسان، وخصوصيته في العبادة، أن يفرض حقوق المسلمين في مدينة ميلانو، وأحقيتهم في بناء المساجد وحرية العبادة؛ الأمر الذي أثار عاصفة شديدة في المشهد السياسي الإيطالي من جانب الأحزاب اليمينية، «الشرق» التقته لتطرح عليه العديد من الأسئلة حول هذه المحاور، فكان الحوار الآتي: - من هو عمدة ميلانو الجديد؟ – جوليانو بيسابيا من مواليد مدينة ميلانو 20 مايو 1949، خرّيج جامعة تخصص قانون وعلوم سياسية، محامٍ جنائي ترافع أمام المحاكم في القضايا التي تهم المناضلين والحقوقيين، كاتب ورجل سياسة، عضو مجلس النواب الإيطالي لولايتين متتابعتين، كاتب رأي بالعديد من الجرائد الإيطالية، وصحافي مشارك في إعداد موسوعات متخصصة في القانون، وعمدة مدينة ميلانو منذ أول يونيو 2011 عن أحزاب اليسار الوسط، بعد الانتصار على مرشحة وسط اليمين ليتيسيا موراتي العمدة السابقة لميلانو. – تمكنتم من هزيمة حزب شعب الحريات، الذي يتزعمه سيلفيو برلوسكوني، رئيس الحكومة آنذاك، في عقر داره مدينة ميلانو، ما الذي تغيّر لتحقيق انتصار كهذا؟ – فعلاً، مدينة ميلانو القلب الاقتصادي النابض لإيطاليا، ظلت لزمن طويل أحد القلاع المفضلة لليمين الحاكم، وهذا بفعل المكانة الاقتصادية لهذه المدينة، بحيث توجد فيها أهم وأكبر الشركات العالمية الإيطالية والدولية، وأهم فروع المؤسسات العالمية، كما يتجاوز سكانها المليون نسمة، لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد العاصمة روما من حيث عدد السكان، وهي عاصمة اقتصادية لإيطاليا. وتمكّنت القوى المالية المتحكمة في الشأن السياسي من بسط سيطرتها على المدينة، وتكوين لوبي اقتصادي جعل المدينة ترضخ لسلطة المال، ولكن الهزائم المتتالية التي حصدها اليمين الحاكم، ممثلاً في حزب شعب الحريات، برئاسة سيلفيو برليسكوني، وفشله في جعل البلد يتجاوز مرحلة الأزمة التي ضربت البلاد، وكذا للفضائح التي تورّط فيها، والتي جعلت المواطن الإيطالي يسحب ثقته ليمنحها لأحزاب اليسار المساند الأول للقوى الاجتماعية المحرومة، التي تشكل الكيان الإيطالي بنسبة %80، وذلك ما تحقق خلال الانتخابات الأخيرة؛ حيث تمكنّا من بسط أيدينا على أغلب المدن الكبرى الإيطالية، في محاولة لإخراج إيطاليا من عنق الزجاجة، وتحرير الاقتصاد الاجتماعي. – خلال حملتكم الانتخابية، دعوتم لأحقية تمتع المهاجرين المسلمين بحقهم في بناء مساجد، الشيء الذي أثار عليكم عاصفة من الاحتجاج من جانب أحزاب اليمين المتطرف. – تحتوى إيطاليا على نسيج إثني متنوع يشكل خصوصية مؤثرة داخل مدينة ميلانو، ويعدّ المسلمون أكبر تجمع داخل هذا النسيج الغني الذى يميز مدينتنا، ويسهمون كذلك في اقتصادها وطبيعة عيشها؛ لذا من الإنصاف تمتعها بكامل حقوقها حتى تستطيع الاندماج في الحياة العامة، وتسهم بشكل إيجابي. إذا كانت البلدان الإسلامية السباقة لإتاحة المسيحيين فرصة بناء كنائس على أراضيها، وإعطائهم فرصة العبادة على الشكل الذي يرغبون فيه، فلا يليق بحضارتنا الأوروبية العريقة في حقوق الإنسان، والمدافعة عنها أن تمنع حرية العبادة. وعندما تكونت الدولة الإسلامية، قامت على شريعة القرآن، الذي يضمن للجميع العيش تحت راية واحدة وإن تنوعت دياناتهم، ويستدعي منطق التعايش السلمي واحترام الحريات العامة للأفراد والجماعات داخل محيط الدولة. – كيف تتابعون التحولات التي تعيشها البلدان العربية؟ – أعترف كحقوقي ورجل قانون أن ما حصل ويحصل حالياً في البلدان العربية لم يفاجئني، بل كان متوقعاً، باعتبار أننا نعيش داخل كوكب واحد، ونتابع كمجتمع أوروبي حدة التناقضات التي يعرفها المجتمع العربي، ونسبة الفوارق الاجتماعية التي تميز جل بلدانه. مع الأسف، الجميع يدرس التاريخ ولا يستوعب الدرس أو يفهم معانيه ومقاصده. فتاريخ القرون الوسطى يحكي تاريخ الأمراء المستبدين، ورأينا كيف ثار عليهم هذا الشعب عندما ضاقت به الدنيا، إن أي مستبد وديكتاتور لابد أن ينقرض وأن تضيق به الأرض بما رحبت إذا لم ينصت لنبض شعبه. – كيف تقيّمون مجهودات المملكة العربية السعودية لدعم حوار الأديان؟ – صراحة، كان لملوك المملكة العربية السعودية دور فاعل ومحوري لحل كل النزاعات التي عرفها المجتمع العربي، خاصة الصراع العربي الإسرائيلي، كما لعبوا دوراً مهماً لفتح الحوار والتعايش بين كل الأديان؛ فالمملكة ومكانتها الدينية كعاصمة للمسلمين وأرض الأنبياء، لا يمكنها إلا أن تكون في مقدمة الداعين للسلم والمدافعين عنه وعن ثقافة التعايش والتآخي بين الشعوب، وهي مهمة قامت بها -ولاتزال- المملكة مشكورة، وأرجو أن يحذو حذوها العالم العربي والغربي لمستقبل مستقر وآمن. -تقرر مؤخراً تحول مجلس التعاون الخليجي لتكوين اتحاد قوي على غرار الاتحاد الأوروبي، كيف تنظرون للمبادرة؟ – في ظل الأزمات التي صارت تضرب المجتمعات الضعيفة والقوية على حد سواء، صار يستلزم تكوين تحالفات لمواجهة المتغيرات التي تضرب العالم من حين لآخر. وتحول مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد مبادرة محمودة لتشكيل حلف قوي؛ لتحمل الأزمات ومتاعبها الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية، لكن يجب أخد عين الاعتبار بالنسبة للدول العربية الأخرى السائرة في طريق النمو؛ لتحقيق توازن بين الدول الفقيرة والدول الغنية التي يمثلها الخليج العربي، وأعتقد أنه من واجب هذا الأخير مد يد العون، وتقديم المساعدة للبلدان العربية الأخرى، خاصة تلك التي تعيد بناء ديمقراطيتها بعد أن عمتها رياح الربيع العربي، قبل أن تفكر في الانفتاح على المجتمعات الغربية، فالشأن الحقوقي والديمقراطي والاقتصادي عامل حيوي لبناء روابط وعلاقات متوازنة ومفيدة.