قرأت لأخي قينان الغامدي رئيس التحرير راحته الكبرى بعد أزمة الحريق، بتدخل من أطفأ الحريق وذيوله، بمثل ذكره من التراث العربي عن واحدة اسمها (جهيزة)! أعترف أنني أسمع وقرأت هذا المثل، ولكن من أين جاء؟ ومن قاله؟ وفي أي ظرف ومناسبة؟ فهذا لم أكن أحيط به علماً؛ لذا سارعت إلى ال «جوجول» كهف الباحثين ونبع المصادر، فأفادني بأن أصل المثل (قَطَعَتْ جَهِيْزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيْبٍ) جاء في صلح بين حيين وهم يتباحثون ويتشاورون حول القتيل والدية. كان فريق القتل يحاول إطفاء الفتنة بكل سبيل، ويحاول إقناع طرف المصاب بقبول دية قتيلهم. وبينما هم على هذه الحالة إذ بأَمَة (خادمة) اسمها (جهيزة) تخبر القوم وهم في أشد لحظاتهم صعوبة، أنَّ القاتلَ قَد ظَفِرَ به بعضُ أولياءِ المقتولِ وقتلوه! فَقَالوا عند ذلك: «قَطَعَتْ جهِيزةُ قولَ كلِّ خَطيبٍ». أي: قد استُغني عَن الخُطَب. ويُضرَبُ هذا المثل لِمن يَقطعُ على النّاسِ ما هُم فيه بأمرٍ مُهمٍّ يأتي به. حقيقةً تستهويني جداً هذه الأمثلة، فهي خبرة القرون اعتمدها الحس الشعبي للتدليل على قوانين في الخبرة الاجتماعية. أحياناً بهذه الأمثلة وأحياناً بقصص عن جحا على شكل النكتة. ولذا فالأمثلة هي مستودع الخبرات، تحكيها الألسنة بعبارات مقتضبة، ولكنها تروي الخبرة والحكمة والموعظة والإيجاز. أذكر أنا شخصياً عن والدتي -رحمها الله- كثيراً من الأمثلة بكلمات قصيرة. وفي القرآن (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ).