بعد مخاض طويل تبنى البرلمان الفرنسي قراراً يجرم من ينكر تعرض الأرمن لإبادة على أيدي السلطنة العثمانية عام 1915. القانون في قراءته الأولى يعاقب من أقدم على إنكار الإبادة بعام من السجن أو ب45 ألف يوور كغرامة أو الحكمين معاً. إذا سلمنا جدلاً أن العثمانيين ارتكبوا جرائم في حق الأرمن وبيتوا النية على إبادتهم كما يقولون، فإن للفرنسيين الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على التاريخ وحشروا أنوفهم في قضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، إلا استدعاء التاريخ لدواعٍ سياسية وانتخابية داخلية، كما يقول المراقبون، واستجابة لضغوط اللوبي الأرميني في فرنسا، فإن (للفرنسيين) باعاً طويلاً في ارتكاب أسوأ الجرائم وأفظعها طول تاريخهم، وعلى اختلاف حكام البلاد وتباين سياساتهم ومشاربهم الأيديولوجية، سواء في الحقبة الملكية أو حتى بعد الثورة الفرنسية، إلا أن اللازمة الوحيدة التي اتفق عليها الجميع هي الإجرام والإبادة والتوسع على حساب الآخرين، وسلب خيراتهم وطمس هوياتهم وحضاراتهم، وما فعلوه في الجزائر يغني عن أي سرد. ثم لماذا التركيز على هذه الحادثة بالذات؟ إذا أخذنا في عين الاعتبار أن المجازر والمآسي التي ارتكبت في التاريخ لا تُعد ولا تحصى، كمجازر فرنسا في الجزائر، التي راح ضحيتها حوالى خمسة ملايين جزائري طوال قرن و32 سنة من الاحتلال، ومجازر إسرائيل بحق الفلسطينيين، ومجازر الأمريكيين ضد اليابانيين وإبادة الهنود الحمر في أمريكا، ومجزرة الصليبيين في القدس وغيرها كثير، وهذه الحوادث السوداء في تاريخ البشرية هي بالأساس تاريخية، ومن حق المؤرخين وحدهم أن يخوضوا فيها ويبحثوا عن أسبابها ومسبباتها، وليست مسائل سياسية تُستدعى للمتاجرة بها في مواسم انتخابية. إنه لمن المؤسف أن يستغل ساركوزي الدم الأرميني الذي سال قبل حوالى قرن من الزمن في مواعيد انتخابية، كما على تركيا التي وعدت بكشف جرائم الفرنسيين في الجزائر بما لديها من أرشيف عن تلك الحقبة أن تسن قانوناً مماثلاً ضد الفرنسيين بخصوص الجزائر.