علي عايض عسيري التفكير نعمة عظيمة تميز بها البشر عن باقي المخلوقات، بالتفكير يستطيع الشخص تحديد أولوياته ورسم خطط حياته ومسايرة متغيرات الزمان وكذلك المكان، بالتفكير يتعايش الشخص مع نفسه ومع من حوله، فيتكلم بالمفيد، ويشارك بالنافع، ويطرح وجهة نظره المعقولة التي يألفها القريب والبعيد ويتغنى بها العاقل المدرك، فتصبح مع مرور الوقت تلك الفكرة أنموذجاً حياً من السواء والمثالية المطلوبة، وبالنقد البناء المعقول يستطيع الشخص من خلالها إلى تقليب صفحات حياته الفكرية والأخذ بأيدي غيره للفوائد المعقولة التي تسهم فيما بعد إلى إثراء الأذهان والعقول فيتعايش الناقد والمنقود في أجواء واضحة من المكاشفة والصراحة ومحاولة الإصلاح والتغيير إلى الأفضل والأحسن ودون المساس بثوابت وأسس التعايش الفكري والثقافي. لكن مع مرور الوقت وتزايد ضروريات حياة اليوم ومشكلاتها وتعدد واختلاف تلك الأفكار والرؤى؛ نلاحظ جميعاً أن بعض العقول والأفكار التي تعيش معنا وبيننا قد أصابها نوع محدد من أنواع الفيروسات القاتلة التي تحجم دورها في المجتمع وتقتل طموحات أصحابها وتصبح مع مرور الوقت والزمن حجر عثرة في طرق الآخرين، فتعتمد تلك الفيروسات وتلك الأفكار وكذلك تلك العقول على مبادئ عدة شعارها الدائم الذي ترفعه في الحل والترحال هو محاولة تثبيط عزيمة النجاح في نفوس الناجحين، وتكسير مجاديف الأمل والطموح في نفوس المتميزين، وصبغ كل ما يقدمه أولئك المهتمون بشؤون المجتمع والثقافة بصبغة تشاؤمية طابعها الحسد، وشعارها النقد اللاذع، وصفتها السخرية والتقليل من أدوار صاحبها، ومحاولة إعادة ذلك الموهوب إلى البدايات الأولى في عالم المعرفة الشخصية، وتفريغ الشحنات النفسية وتحويرها كقضية شخصية بحتة يراد بها الباطل وليس الحق. حقيقة أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن فقد ميزة وطبيعة وموهبة وقدرة محددة يتميز بها عن غيره في مجتمعنا يشن حروبا منظمة تحاك ضد غيره بقيادة فلان من الناس، الذي تربطه به علاقات متأصلة من القرابة والمعرفة والصداقة والزمالة، ومن باب الغيرة والحسد يشن ويتفنن في تشويه صورته حتى لا تتحقق بعض مآربه في عالم التفكير والتميز والنبوغ والنجاح الذي ربما يكون في يوم من الأيام عن طريق الأوراق والأقلام والكتابة المفيدة النافعة التي تلامس حاجات البشر وتعالج جوانب وخلل المسؤولية. كاتب اليوم المشهور والمغمور يعاني من كثرة تلك الفيروسات الفكرية التي لاتزال تفكر بنفس أفكار الماضي الأسود قد يجدها في مكان إقامته وفي مكان عمله وفي مناسبات حياته السعيدة والتعيسة، وكذلك قد يقابلها في الشارع وفي السوق وفي المسجد وبكل مكان، ورغم كثرة تلك الفيروسات الفكرية إلا أنه يستمر في التميز والنجاح والرقي، فلا يكاد يعيرها أي اهتمام بل لن تؤثر في مسيرته مع النجاح والسمعة الطيبة والقلم الصادق الشفاف الذي يظهر فنون اللعبة ويعرف من أين تؤكل الكتف. إنها دعوة ليسمو الوسط الفكري والثقافي فوق خلافاته، ويرعى الكبار الموهوبين، فتنتقل شعلة الثقافة من جيل إلى آخر، صعوداً في سلّم المجد.