(في النقد الثقافي)، يضع الدكتور/ «عبدالله الغذَّامي» إصبعه على عصب التخلف «المُزْمِنِ» في العالم العربي ويسميه: «الشَّعْرَنَة»؛ فالمادح يعرف أنه يكذب، والممدوح يكافئه بسخاء، وهو يعرف أنه يكذب! والجمهور يعرف أنه يكذب ومع هذا يكافئه بالإعجاب والتصفيق، ويتزلَّفُ إلى الممدوح به وهو يكذب كذباً مركَّباً ويعرف ذلك، والممدوح يعرف أن الجمهور يكذب فوق كذب المادح ولكنه يطرب حتى يصدِّق؛ فيصبح «فرعونَ» لا يرى لهم إلا ما يرى! وهكذا تتم «صناعة الطاغية»، حسب الغذامي! طيب: ماذا لو كان المدح صحيحاً، والمادح صادقاً، والممدوح جديراً به؛ كما في «فن المدائح النبوية»؟ كان لابد أن تعود الأمة المنهارة إلى «رمزها الأعظم»، ولكنها عادت إلى «شخصه» الكريم، وأمعنت في الانشغال «به» عن رسالته العظيمة؛ حيث جاء الدين متحدياً مبادراً إلى نزال «أمة شاعرة غاوية»، بقرآن ليس شعراً، ورسولٍ يقول عنه تعالى: «وما علَّمناه الشعرَ وما ينبغي له»، والجميع يشهد له بالصدق والأمانة؛ وعليه فلا بد أن تكون رسالته واقعية قابلة للحياة الأبدية، ممكنة للتطبيق في كل زمان ومكان؛ كما نردد «نظرياً»!! وقد انتصر على الزيف في (23) عاماً فقط، واستطاع أتباعه من الصحابة الكرام أن يطبقوا رسالته ثلاثين عاماً أخرى، قبل أن تعود «الجاهلية» وتلتف عليها بحيلةٍ هي الأخطر: تحجيم الرسالة في شخص نبيها الكريم؛ لتبدوَ مثالية لا ترقى إليها طبيعة البشر العاديين المكلفين بتعاليمها؛ كما ذهب بعض المستشرقين! وما المبالغات «الشعرية» التي تجعل «محمداً» سبب خلق الكون كله، إلا امتدادٌ لذلك الالتفاف الجاهلي، يؤكد أن المشكلة أكبر من «الشعرنة»، وأن هناك ثقافةً أصيلة، تنتج الزيف وتطوره «بالصدق والحق» أبرع من الكذب المكشوف! وقد حذَّر القرآن العظيم من هذه «الشخصنة»: فحدَّد مهمة نبيه بمجرد تبليغ الرسالة: «وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل»، وأنه بشر لا فضل له إلا بالوحي: «قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليَّ…»! وعاتبه بحزم حينما لعن المشركين في «أُحد» غاضباً لنفسه: «ما أفلح قومٌ شجُّوا نَبِيَّهم»؛ فقال تعالى: «ليس لك من الأمر شيءٌ»! وأصبح العتاب وعيداً رهيباً في قوله تعالى: «ولولا أن ثبَّتْناك لقد كِدْتَ تركنُ إليهم شيئاً قليلاً. إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف المماتِ ثم لا تجد لك علينا نصيراً»!