الحديثُ عن صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، شرف للمتحدث، وفخرٌ لأنامله التي نقرت مفاتيح الحروف، كيف لا وثمار الذاكرة ومراكب الذكريات تتقاطر وتقطر شهداً ومسكاً في حضرة من لا أمثل من الصمت في حضرته، اقترف الظلم إثمه الأكبر فكان مولده، ونسي الليل معنى سكونه فكانت نبوته، وأوشك الإنسان على فقد آدميته فبعث الله محمد بن عبدالله صلَّى الله عليه وسلَّم، ليوقد في أفكارنا شعلة الحياة، ويقدح في أفئدتنا زناد التأمل والتملي، ويغرس في دواخلنا أسس استشعار عظمة الكون، وكرامة الآدمي خليفة الله في الأرض وصيانة حقوق الأحياء من خلال تحريم وتجريم الاعتداء على دم أومال أوعرض الإنسان، نبي الإنسانية شمعة خلود في ظلام حالك، ورسول بلسم على جراح ملتهبة، الهادي إلى سواء الصراط لإنقاذ البشرية من مهب الجحيم وعربدة النار، نعمة مهداة بُعث هادياً لا جابياً، مُعلّماً لا مؤلّماً، خلا من القسوة فكان أرحم بنا من أم بأولادها، ونقاه الله من الكِبْر فكان نموذج تواضع فذ، كان يصف نفسه بالنبي الأمي، واليتيم، وابن امرأة كانت تأكل القديد، ولم ينقص ذلك من عظمته ولا يحط من قدره، فالعظيم عظيم بروحه وعطائه، والكبير كبير بأخلاقه وتصرفاته، يا سيدي يا رسول الله مع كل هجمة زمهرير شرسة نعود إلى دفء ما جئت به من عند الله من قيم الخير والحب والجمال، لنجد نسمات كرمك عبقة كأنك كنت بيننا اللحظة كيف لا وأنت مباركٌ أين ما كنت وبركتك عمت الخلق دون استثناء، يا رحمة الله للعالمين هل من يؤذي البشرية اليوم باسم الإسلام ينتسب إلى دينك ومنهجك؟ ما علاقة التسلط والاستبداد والتصنيف والتخويف والأحزاب والفرق والطوائف بالدين المؤنسن بسماحته ورحابة صدر أحكامه ونظامه وقوانينه؟ متى كان دين الله المنزل على محمد صلَّى الله عليه وسلّم وسيلة للاحتيال، والتسلق إلى السلطة، والتطاول على الخلق، وتأجيج الخلاف بين الأخوة؟ من بدّل سُحبنا العذراء بهذه الغيوم العجفاء؟ وبأي مسوّغ طمس رموزنا معاني البطولة بهذه البطالة الخجولة؟ وكيف هبّت علينا عوضاً عن نسائم الرحمات هذه السموم الملبّدة بالهم والغم ووعثاء الإقامة والسفر؟ أبا الزهراء يا مبعوث السماء بودق العطايا، يا أمل القلوب المأسورة في واقع بئيس، وسراج آمال كبّلها اليأس، يا ثابت القدم، وواضح المنهج، يا ذكي الفهم، يا أبا الأيتام نستعيدك اليوم لنستعيد بذكراك ألفة الإسلام، وأخوّة الإيمان، وصفاء العقيدة، ووحدة الوطن، لننفض عن رسالتك ما اعتراها من شبهات ذهبت ببعضنا إلى طرف إفراط يصم به عقائد الناس ويصفهم بما يندرج في خانة التألي على الله، في وقت أحوج ما نكون فيه إلى توطئة معمّقة لتأصيل الإصلاح التديني والفكري والاجتماعي والثقافي وكفانا ما جنيناه بسبب انحرافنا عن الفطرة، أُحبك سيدي رسول الله وإن تك استعادة ذكراك بدعة فنعم البدعة.