بهاء طاهر الذي وصفه أحدهم ذات يوم بأنه لا يستعير أصابع غيره، كاتب متجدد ونصوصه رحلة مشوقة ومرهقة في تقصي تفاصيل حياتنا العابرة. في مجموعته القصصية «لم أعرف أن الطواويس تطير» الصادرة عن دار الشروق عام 2009 مثل جيد على ذلك. لغة بسيطة وعبارة مقتصدة تتكئ على تصوير عميق للتفاصيل يستفز المشاعر ويورط صاحبها في اللحظة ويستدرجه لأعماقها. في قصة: «إنت اسمك إيه؟»، تغمرنا التفاصيل ونحن نتتبع تصرفات الحفيد ذي العامين ومواقفه مع الجد، التي تقف بالشيخ عند حقيقة جهلنا بأسمائنا وبواقع وجودنا وجوهر معرفتنا. حكاية تبدو على السطح مألوفة ولكنها عند التدقيق كاشفة لحدود فهمنا كبالغين. «سكان القصر»، قصة أخرى ملهمة، تتستر بالرمز الذي يمثل معادلاً موضوعياً للدولة، وتتحدث عن البشر الذين يخافون غموض القصر ويجهلون سره. نكتشف مع نهايتها ومع صرخة المثقف في النص أن الجميع يحمون القصر- النظام، ولو تبدل حراسه ولو جهلنا هوية ساكنيه.في القصة التي تحمل عنوان «المجموعة»، نجد أنفسنا في مواجهة أنفسنا ونحن نطرح أسئلة الوجود، ونحار في فهم شعور الوحدة والشيخوخة والحب. طاووس يشبهنا ويتبختر ويتحدى الواقع بطيرانه، إلا أنه وفي لحظة معينة يستسلم دون سبب مفهوم له أو لنا. هل تختصر مغامرته وقفزته الموجزة قصة حياتنا؟ بقية قصص المجموعة تدور تقريباً في ذات الفلك. تبحث في حقيقة دوافعنا وفي طبيعة الواقع الذي يحكمنا، الذي نسهم بشكل ما في تشكيله كما تلمح لذلك قصتا «قطط» و«كلاب مستوردة». الحياة متعبة ورغم ذلك وكما يصرح بطل قصة «الجارة» فنحن نريد أن نعيش ألف عام، ولكننا يجب كما يلمح النص أن نعيشها كما يفترض أن تعاش وبالشكل الذي نحب.