الفخر الرازي محمد بن عمر، وشيخ الإسلام ابن تيمية اسمان كبيران في ثقافتنا من حيث سعة الاطلاع والضخامة المعرفية، إلا أن المنهج والعقيدة يختلفان. وقد كان ابن تيمية يذكره كثيراً في كتبه ويقسو عليه أحيانا قسوة بالغة لكنه في كل الأحوال يكنّيه فيقول (قال أبو عبدالله الرازي). والتكنية بلا شك دليل على إجلال وإكبار. وهي لا تمنع أن يقول الواحد رأيه بلا مجاملة وينقد بلا مداهنة. شاهدت بالأمس على اليوتيوب برنامجاً لسعيد فودة وهو أحد الذين يسعون لتفكيك المدرسة السلفية في المملكة بالقدح في رموزها وفي علميتها وصحة أحكامها، فسمعته يقول إن ابن تيمية قد افترى على الإمام الرازي عندما قال إن الرازي قد مارس السحر! وذكر كلاماً كثيراً خلاصته أن ابن تيمية قوّل الرازي ما لم يقل وأنه تغافل عما جاء في مقدمة كتاب الرازي الذي ألفه في هذا المضمار وهو «السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم» وقد قال الرازي في مقدمته: «هذا كتاب يجمع فيه ما وصل إلينا من علم الطلسميات والسحريات والعزائم ودعوة الكواكب مع التبري عن كل ما يخالف الدين وسلّم اليقين». وهذا التبري يسد باب المؤاخذة، خصوصاً ونحن نجده في وصيته يقول: «فاعلموا أني كنت رجلاً محباً للعلم، فكنت أكتب من كلِّ شيء شيئاً لأقف على كميته وكيفيته، سواءً كان حقاً أو باطلاً…». كل هذا إذا وضعناه مع بعضه قد يكوّن حجة جيدة لهذا المتحدث القادح، وقد كاد أن يقنعني برأيه، إلا أن الحقيقة تتجاوز هذا الظاهر السطحي. كما أن هذا التبري وكل ما فات من تحرزات ومع ذلك ومع تصريح الرازي في تفسيره أن ممارسة السحر حرام، إلا أنه قد مارس السحر فعلاً. وهذا من أغرب الأشياء التي يمكن أن تقع من عالم بهذه المكانة الضخمة، يقول الرازي في السر المكتوم بعد أن وصف طريقة قويّة مجربة تعقد اللسان وتزعزع المحبة في القلب، على حد تعبيره، ثم علّق الرازي بقوله: «جربتها مائة مرة فما رأيت إلا الإصابة». إنها جملة قوية لمن يعده السيوطي المجدد السادس للأمة الإسلامية. والفخر الرازي يرى أن السحر علم غير قبيح ولا محظور، ويحتج بأن العلم كله شريف لذاته ولأننا لو لم نعرفه لم نميز الفرق بينه وبين المعجزة، والعلم بكون المعجز معجزا هو من باب الواجبات. وما يتوقف عليه واجب مثله. وكل ما ذكره الرازي لا يعذره بل يؤكد أن ابن تيمية لم يتجن عليه. إلا أنه رجع عن هذا كله، يقول الرازي: «ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتُ فيها فائدةً تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال لله، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات. وما ذاك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفيّة». رحمه الله.