وهذه الحال ليست بأحسن من الحال التي يقفها معك قسم المعاشات.. فإذا قدر الله و»نزلت المعاش» بعد عمر طويل مقداره 60 سنة قضيتها في جليل الأعمال المكتبية، فإن قسم المعاشات سيطالبك بشهادة حياة، وهذه الشهادة تثبت فيها بالدمغة والدليل القاطع أنك لم تمت ولم تنتقل روحك إلى جوار ربها ولا يكفي أن تكون أمامهم بلحمك ودمك وعظمك.. لأن اللحم والدم والعظم من الممكن أن يكونوا لأي شخص آخر من هذه البشرية، ولا فرق بين لحم ودم وعظم زيد ولحم ودم وعظم عبيد إلا بشهادة الحياة. وقد حكى لي أحد أفراد البشرية المعاشيين، قال صديقي هذا لا فض الله أطرافه من شهادات الحياة إنه قد استمر يقبض معاشه كاملاً لمدة عام كامل دون أن يسأله أحد عن شهادة الحياة ولكن عندما جاء ليصرف معاشه للمرة الأخيرة تنبه الموظف المسؤول إلى هذا الغلط الإداري المعاشي.. فثار وصاح بأعلى صوته متحسراً على النظم الإدارية الضائعة.. وأنه لو كان موجوداً لما حدثت هذه الغلطة الشنيعة. ولهذا فهو لن يسكت على هذا الموضوع وهو يطالب ذلك الشخص المعاشي أن يحضر شهادة حياة تثبت أنه كان حياً طيلة العام المنصرم شهراً شهراً وإلا فإنه لن يقبض معاشاً بعد اليوم. وذهب صديقي لاستخراج شهادة تثبت أنه كان حياً طيلة العام الماضي، لكنه لم يجد ولا شاهداً واحداً مستعداً للإدلاء بمثل هذه الشهادة!