تعد مراجعة بعض الأماكن ضرورة حتمية مزعجة ومرهقة، وتسبب نكداً في الحياة – كما قال أبو الطيب – ولكن الاستغناء عنها غير ممكن بسبب الحاجة لخدماتها، ويأتي في مقدمتها بنوك التحويل؛ حيث نتصدر بلدان العالم في تحويلات الأفراد بأرقام كبيرة، وثانيها شركات الاتصالات التي تتكرر ذات المعاناة لدى فروعها وفي مقدمتها شركة الاتصالات السعودية التي لم تتحرر مما ورثته من بيروقراطية مترسبة. لا يكاد يخلو منزل من خادمة – رغم ما وصلت إليه أسعار استقدامهن من ارتفاع – وغالبا ما تكون مسؤولية تحويل راتبها مهمة أساسية لكفيلها؛ حيث يتحمل معاناة الوقوف في طابور طويل أو عدة طوابير متراصة – في ما يسمى ببنوك التحويل – فهذه البنوك معنية بالتحويل وما يرافقها من عملية صرافة تلقائية في الغالب، وشركة الاتصالات معنية بتوصيل الخدمة أو قطعها وما بينهما من قصور في الخدمات وشكوى المستفيدين المتكررة بسبب ارتفاع الفواتير وتشكيك بعضهم في مصداقيتها، فباتوا يتنقلون بين الشركات الثلاث في حركة دائمة أفقدت بعضهم تركيزه. تحصد بنوكنا أرباحا كبيرة بسبب الحسابات الجارية لعملائها، وهو ما لا يكون في بلدان أخرى، وليس لهذه البنوك مساهمة حقيقية في خدمة المجتمع – ذكرت ذلك في مقال سابق – وقد تعددت فروعها في المناطق والمحافظات وأنشأ بعضها بنوك تحويل، ولم أجد في الموقع الإلكتروني لمؤسسة النقد العربي السعودي أسماء لعدد من بنوك التحويل أو أي شيء يدل على ارتباطها بالبنوك الأصلية، ولا أعلم إن كانت لها استقلالية تامة أم هي مرتبطة بالبنوك الرئيسة، وتخضع لنظامها. يبدو أن بنوك التحويل – ولتكن محافظة الخفجي مثالا – لا تلق متابعة من مؤسسة النقد، ولا تلتزم بأنظمة وزارة العمل وألوان نطاقاتها في مشروعها الرائد لتوطين الوظائف؛ حيث يشغل وظائف تلك البنوك أجانب، وتكاد تخلو من المواطنين بل إن أحدها منح وظيفة الحراسة الأمنية لآسيوي، وبنك آخر في مدينتنا – التي يربو عدد سكانها على مائة ألف نسمة – فيه ثلاثة موظفين: مدير وموظف – وكلاهما أجنبيان – وحارس سعودي- رغم أن في هذا البنك ستة منافذ خدمة أحدها للنساء- ولكن منفذا واحدا منها فقط هو الذي يعمل بسبب وجود موظف واحد ومديره الذي يقتصر دوره على فرز ما يتجمع عند الموظف من الريالات وحفظها، وهو أمر يسبب زحاما شديدا، وبطئاً مملا، وتشاحنا بين العملاء؛ لعدم وجود موظفين كافين لتقديم الخدمة المناسبة – مع ما يعتري ذلك من افتقاد التنظيم – فلا أرقام للعملاء، ولا لوحات إلكترونية تعمل؛ لحفظ حقوقهم. ما تزال بعض شركات الخدمات وبعض البنوك التي يقوم نجاحها على رضا المستفيدين لا تحسن التعامل معهم، ولا تهتم برضاهم، ولا توفر لهم الخدمات المناسبة لقاء ما يودعونه من أموال في خزائنها المترعة، ولا توفر لهم الراحة ولا تحفظ لهم أوقاتهم، بل إن بعضها يكون سببا في إيذائهم ونكدهم لقصور خدماتها وسوئها أو بسبب سوء تعامل موظفيها لانعدام التأهل الوظيفي والتدريب المناسب؛ للوصول إلى تقديم خدمة أفضل للمستفيدين، وتعامل أرقى معهم. أليس من حق هؤلاء المستفيدين أن يحصلوا على الخدمات بيسر وسهولة؟ أليس من واجب البنوك والشركات تقديم الخدمة دون إيذائهم أو وقوفهم لساعات أو العودة لأكثر من مرة من أجلها؟ أليس من بين المستفيدين مرضى ومسنون وموظفون وعمال يحتاجون لكل دقيقة من وقتهم؟ أليس من حق المستفيدين أن يجدوا لهم أماكن مريحة للجلوس أثناء انتظارهم داخل البنوك أو شركات الاتصالات؟ أليس من حقهم أن يوفَّر لهم ركن لتناول مشروب ساخن أو بارد؟ فكثير من تلك البنوك والشركات لا يتوفر فيها حتى الماء، فكيف بمن يصاب بإغماءة أو أزمة صحية أو يحتاج لدورة مياه وقد أغلقت عليه الأبواب قبل آذان الظهر بنصف ساعة، وتستمر مثلها بعدها حيث تستغل الصلاة أسوأ استغلال؟ أليس من واجب هذه البنوك والشركات تقديم خدمات للمجتمع والمشاركة في التدريب، وتبني الشباب والمساهمة مع الدولة في تأهيلهم للعمل، فقد نجح السعوديون من الشباب والشابات في جميع الأعمال المصرفية والعمليات البنكية في البنوك المحلية على امتداد الوطن، وهي وظائف ليست معقدة إن تحقق التدريب. طفت ظهر الأحد الماضي بأكثر من ثمانية أجهزة للصرف الآلي لبنوك مختلفة في مدينتنا لتنفيذ عملية سداد فاتورة هاتف من أجل إلغائه وجميعها لم تكن تعمل فاضطررت لتأجيلها لليوم التالي. وقفة: كأن الشركات والبنوك تقول لنا لا نكتفي بأخذ نقودكم، ولكننا نرهقكم أيضاً فابتسموا واحتملوا!