لم يكن من الصعب خلال رحلة طويلة من التدقيق بتفاصيل الرسائل المكتوبة على جدران المخيمات والمعسكرات والشوارع الرئيسة بمدينة غزة وغيرها من مناطق القطاع، المختصرة في عددها والقوية في دلالاتها، المزينة بالصور، والمنتهية دائماً بتوقيع يدلل على صاحبها، والمعبرة عن كل شؤون الفلسطينيين العسكرية والاجتماعية والسياسية، اكتشاف ذلك التشابه الكبير بينها وبين موقع «تويتر»، وتصديق مسمى «تويتر المقاومة» الذي أطلقه الشباب الفلسطيني على جدرانهم التي عاشوا منتظرين لما تحمله من أخبار وشعارات وتفاصيل لسنوات طويله سبقت الموقع الشهير. الإضراب والنفير العام والتذكير بانطلاقات الفصائل والتهاني بالمناسبات والإعلان عن انتماءات الشهداء وحظر التعامل مع العملاء أبرز المواقف التي كتبتها المقاومة على الجدران منذ الانتفاضة الأولى، التي لم يكن يمتلك أهل قطاع غزة أثناءها أي وسيلة للتواصل فيما بينهم سواها، وهو ما جعل الاحتلال كما يقول الشاب «أبو رياض النبيه» ل الشرق «يطارد كل مَنْ يكتبون على الجدران، ويحاكمهم وربما يطلق النار عليهم، لقد كانت شجاعة قلوب مَنْ يكتب هذه الإشعارات في الانتفاضة يضرب بها المثل دائماً». وتابع أبو رياض «الليل هو الستار الذي كان «الملثمون» المناط بهم هذه المهمة الخطرة يحتمون به، لكن السرعة والاختصار الشديد هو ما كان يحميهم من العيون التي كانت تحاول رصدهم، لقد كانوا باختصار صوت المقاومة الذي يحاول الاحتلال كتمه بكل قوة لكنه دائماً ما كان يخرج صارخاً من كل الجدران التي يمكن الكتابة عليها». سنوات الانتفاضة الأولى مضت، وظهرت وسائل الإعلام الجديدة التي حملت للفلسطينيين فضاءً واسعاً من حرية التعبير، وبخاصة على موقعي الفيسبوك وتويتر، لكن جدرانهم ظلت الساحة المفضلة لإيصال الرسائل في بلد أصبح ذلك جزءاً من ثقافته اليومية، وإن اختلفت الكتابات والصور. خليل النجار خطاط فلسطيني يفتخر بأنه اأحد رواد «تويتر المقاومة» بعد أن اعتادت الفصائل المختلفة الاستعانة به للكتابة والرسم على الجدران، يقول ل»الشرق»: «لم تعد المقاومة بحاجة إلى ملثمين ومسلحين لتكتب على الجدران، وأصبح الأمر أكثر سهولة وتطوراً، ووصل إلى حد تعبير المقاومة عن قوتها برسم صور لمجسمات معاركها، فهناك صور لدبابات إسرائيلية فجرتها المقاومة خلال المواجهة المباشرة وكأنها تحمل صورة ضمن تغريدة تكتبها على «تويتر» الحقيقي». الفنانون الفلسطينيون أصبحوا جزءاً من منظومة «تويتر المقاومة»، لكنهم يتجاوزون ما تهتم به المقاومة للحديث عن كل هموم الفلسطيني ومناسباته، وتغريداتها على الجدران حافلة بألوانهم ولمساتهم الإنسانية التي تشكل معالم لا يمكن إغفالها لكل زائر إلى هذه المدينة التي سبقت العالم بابتداع تويتر من نوع خاص، لا يحتاج لإنترنت، ويمكن للجميع متابعته دون تسجيل. جدران غزة